عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قرأت مقالا مطولا للمهندس والناشط السياسي ممدوح حمزة عن مشروع توسعة قناة السويس.. المقال نشر في صحيفة التحرير  تحت عنوان "الخبير الهندسي ممدوح حمزة يكتب أخطر دراسة عن قناة السويس".. وبغض النظر عن مسألة أخطر دي.. فقد احتشد المقال بالبيانات الإحصائية حول التجارة العالمية وحركة المرور بقناة السويس على مر التاريخ.. ويسعى حمزة من خلال 2700 كلمة في مقاله لقول كلمتين فقط (المشروع فاشل).. وكعادة معارضي هذا المشروع تحديدا على اختلاف نواياهم ودوافعهم، اعتمد المقال على مقولة أن توسعة القناة لن تخلق رواجا تجاريا عالميا..  والمثير للدهشة أن المهندس الاستشاري قدم في مقاله من حيث لا يدري كل ما ينسف نظريته ويؤكد على أهمية المشروع.

فساد الاستدلال

أحد النقاط الرئيسية التي ارتكن إليها هي "إذا كانت التجارة العالمية في حالة ركود الآن فما الحاجة لتوسعة القناة".. وأقول له وما كان حال التجارة العالمية في عام 1859 و ما قبلها.. وهل لو فكر من كانوا قبلنا بنفس الطريقة كانت جنت مصر كل ماجنت من عوائد طوال قرن ونصف.!

ويشير الكاتب في مقاله إلى أن دخل القناة في الـ15 سنة الأخيرة فقط 64.13 مليار دولار كحصيلة لرسوم العبور فقط.. وأقول ألا يجدر به وهو يذكر ذلك الرقم الضخم أن يشكر من حفروا تلك القناة لعدم التفاتهم للمرجفين والطاعنين في المشروع قبل 150عاما..   للأسف الحقيقة التي لم يضعها الاستشاري في حساباته.. أن حركة التجارة متغيرة.. قد تنتعش أو تخفت بين يوم وليلة.. بينما مشروع كحفر قناة السويس أو توسعتها.. استثمار ثابت لمئات السنين.

يضاف إلى ذلك أنه إذا كانت توسعة القناة لن تنشط التجارة الدولية.. فمن الضروري أنها تستطيع جذب سفن عابرة أكثر من العاملة فعليا في ظل الركود الحالي المزعوم أو أي ركود.. ولا أدري إن كان يعلم أن قناة بنما اضطرت في نفس أسبوع افتتاح التوسعة إلى خفض غاطس السفن العابرة بها إلى أقل من 12 متر.. وبالتالي فإن الطعن في مشروع القناة من ناحية حركة التجارة استدلال فاسد لا يليق بأكثر من قناة الجزيرة

واللجان الإلكترونية للتنظيم الإرهابي على مواقع التواصل الاجتماعي.. وبالتالي أيضا هو منهج لا يرقى للانشغال به عند التخطيط لمشروعات قومية ومستقبل شعب.

رغم أنف الكارهين

احتشد مقال الخبير والاستشاري الهندسي ممدوح حمزة بالكثير من المعلومات الإحصائية الهامة والمفيدة.. ويذكر 4 طرق أخرى للتجارة العالمية اعتبرها بديلة لقناة السويس.. حقيقة لم يتضح الهدف من ذكرها في المقال.. وإن كنت أرى أنها أكدت على أهمية وحتمية مشروع التوسعة الذي يرفضه.. وهي كما ذكرها بالترتيب:

1 طريق الحرير.. وهو  خط قطار  يربط بين الصين وإسبانيا بطول 13000 كم

2 محور إيلات أشدود الإسرائيلي .. وهو خط قطار أيضا يربط بين ميناء إيلات على البحر الأحمر و أشدود على البحر المتوسط بطول 320 كيلومتر

3 المسار القطبى، وهو مسار ملاحي ينطلق شمالا عبر الثلوج من كوريا الجنوبية  إلى هولندا بطول 15000 كم

4 قناة بنما، ومخطط مشروع قناة نيكاراجوا للربط بين المحيطين الهادي والأطلنطي

هذه هي الطرق الأربعة التي يراها حمزة "بديلة" لقناة السويس.. ولا أدري هل كلمة "بديلة" تعني أن نردم ما أنجزناه خلال قرن ونصف.. أم نسعى لتطويره ومنافسة البدائل ونثبت للجميع أن مشروعنا الأفضل.. وهو كذلك بالفعل!.

فالبديل الأول، وهو خط قطار يمر عبر أراضي عدة دول على اختلاف أوضاعها الأمنية والسياسية لا يمكن أن يكون منافسا لعبور السفن من قناة السويس بأي حال من الأحوال.

أما المشروع الثاني وهو قطار أشدود إيلات.. فهو يفترض تقسيم الرحلة على سفينتين الأولى تقف في إيلات لتفرغ حمولتها وتحمل بالقطار لأشدود وتنقل إلى سفينة أخرى في البحر الأبيض أو العكس.. وهو أمر يحتاج سفينتين وتفريغين وتحميلين بينهما 320 كيلو متر بالقطار.. ويتطلب تزامنا ودقة رهيبة بين السفن والقطارات.. بمعنى لو تأخرت سفن أي من البحرين عن الموعد المفترض أو تعطل القطار.. فلك أن تتخيل حجم التكدس والشلل الذي سيضرب المشروع برمته.. فضلا عن ارتفاع التكلفة.. والمخاطرة بنقل البضاعة في الرحلة الواحدة عبر سفينتين وقطار.. وبالطبع من الهراء تصور أن مثل ذلك المشروع يمكن أن يكون منافسا لعبور 190 كيلو متر من الأراضي المصرية في سفينة واحدة دون شحن أو تفريغ أو انتظار.(ملحوظة: لم يطلق إسرائيلي واحد على هذا مشروعهم كلمة فنكوش)

ثالثا المسار القطبي.. هو طريق مرهون بالطبع بحالة الثلوج وتجمد المياه، وعلى أصحابه العمل على المزيد من الاحتباس الحراري للكرة الأرضية.. وبالتالي هو طريق موسمي لا يمكن الاعتماد عليه طوال العام.. حاليا على الأقل!.

رابعا قناة بنما وهو مشروع قائم بالفعل والعبور من خلاله يتم عبر آلية الأحواض.. وإن كان حيوي في منطقته.. إلا أن مقارنة مفتوحة بينه وبين قناة السويس من حيث الغاطس والمرور والانتظار ليست في صالحه على الإطلاق.

وهذا الاستعراض المختصر لمنافسي قناة السويس.. يدفعنا حتما لسؤال بديهي.. إذا كان الآخرون يفعلون المستحيل وغير المنطقي لشق طرق تجارة لديهم.. وتتكبد الصين 50 مليار دولار لشق قناة نيكاراجوا بجوار قناة بنما.. أليس كل هذا يدفعنا للحفاظ على الكنز الذي في أيدينا.. ألا يدفعنا هذا التنافس الشرس على حركة التجارة العالمية لمزيد من التوسعة والتعميق لقناة السويس.. ألا يدفعنا لإنفاق المزيد للحفاظ على قناتنا وتنميتها لقطع الطريق على أي منافس آخر، ونبقى في الصدارة.

ممر دولي وليس محل بقالة

من المحزن أيضا أن يتحدث المحترفون حديث الهواة.. وأن يكون من يمتلك المعلومة كصبية "الشير" على "فيسبوك".. يركز معارضو المشروع على فكرة عوائد التوسعة وعدد السفن العابرة.. وأنا هنا لا ألوم إلا مؤيدي أو مديري المشروع الذين قدموه وكأنه توظيف أموال.. أدفع اليوم كذا وسيعود لك غدا ضعف وضعفين.. وهو وصف قلل كثيرا من شأن المشروع وأهميته الاستيراتيجية.. فإن لم تحقق التوسعة قفزة عاجلة في إيرادات القناة فيكفي أن تحافظ لنا على ماهو قائم بالفعل.. فقناة السويس أحد ملامح المكانة المصرية عالميا ولا يجب التعامل معها كمحل بقالة، إن انخفض العائد نغلق المحل.

وإذا ظلت مصر تعاني من التجميد على مدار 30عاما.. أقول للوطنيين والمخلصين أمثال المهندس ممدوح حمزة، يجب أن تكون محاسبة ومساءلة المسئولين بصيغة، لماذا لم تفعل؟.. لا أن تكون، لماذا فعلت؟.. فمصر تحتاج الكثير والكثير من الفعل لا السفسطة.. وهنا يجب مطالبة الرئيس عبد الفتاح السيسي وهيئة قناة السويس بمواصلة تطوير الممر الملاحي.. استكمال الازدواج.. زيادة العمق وتوسعة الممر.. يجب أن يدور النقاش حول المشروعات المتاحة حول القناة.. لمن ستذهب؟.. ما حصة الدولة منها لتنمية مواردها بعيدا عن "قفا الخلق"؟.. ماحصة المستثمر المصري؟ وهل له الأفضلية على الأجنبي أم العكس؟.. ماشروط التعاقدات؟.. ما نسبة العمالة المصرية فيها؟.. وما الضامن لحقوقها؟

هكذا يجب أن نتحدث عن مشروعاتنا القومية.. وأن نعاون من يعمل.. وإن لم نفعل لا نهيل عليه التراب.. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت.

وأخيرا، أتمنى ألا نضيع وقت أكثر من ذلك في هذا الموضوع، ولا نعود للجدل فيه مجددا.. أتمنى أن نتفرغ للتفكير في مستقبل بلادنا وألا نجهد أذهاننا إلا فيما يحقق مصلحة وطننا وأبنائنا.. ويكفي ما حولنا من نباح و شوشرة ومؤامرات.