رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يحتاج الإنسان من وقت وآخر إلى الابتعاد عن التخصص الدقيق إلى موضوع آخر مختلف عن مجاله الأصلي مثل الأدب، أو الفن، أو الشعر، أو الرياضة، وإن كان المتخصص في العلوم السياسية لا يستطيع الابتعاد على الإطلاق عن مجال تخصصه الدقيق حتى لو لا إراديا، فهو دائما ما يضفي الصبغة السياسية على أي موضوع يتناوله حتى لو كان يندرج في الأصل في دائرة تخصص آخر، ولكن يبقى دائما الاحتياج إلى الابتعاد عن ضغوط وهموم السياسة ولو مؤقتا والنظر إلى أمور أخرى تحتاج من المتخصصين في السياسة أن يتناولوها رغم التسليم أن الأدب لا ينفصل بحال عن السياسة فكلاهما نتاج لبيئة وظروف مجتمعية لها سماتها وخصائصها المميزة.

وقد سعدت في الأيام القليلة الماضية بتلقي هدية قيمة من شاعر وأديب ومؤرخ مدينة رشيد بمحافظة البحيرة الأستاذ محمود أحمد الصيرفي والذي تفضل بإهدائي أحدث اصداراته الأدبية وهو كتابه المعنون «هؤلاء مروا بي» والذي يضاف إلى مجموعة من اصداراته المهمة ومن أمثلتها كتابه رشيديات، وكتاب زبيدة البواب ملكة من رشيد، وكتاب رشيد زهرة الشمال وغيرها من الكتابات التي تدور حول رشيد وبيئتها الجغرافية والاقتصادية والبشرية.

ويتناول الكاتب محمود أحمد الصيرفي في هذا العمل الأدبي مجموعة من النماذج والشخصيات البشرية التي تقابل معها أو تعامل معها عن قرب، أو ترتبط به بعلاقات وثيقة من القرابة وهي جميعا شخصيات تركت تأثيرها في فكر وعقل المؤلف والأديب سواء كان هذا التأثير سلبيا أو ايجابيا، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية :-

أولا: تعددية الشخصيات والنماذج البشرية التي ينطوي عليها هذا العمل، وهذه الشخصيات المتعددة يمكن أن نقابلها جميعا في حياتنا اليومية، أو تمر بنا في فترة زمنية أو أخرى رغم اختلاف المناطق الجغرافية التي نعيش أو نتواجد فيها، والتي يكون حكمنا عليها وتقييمنا لها سلبيا في بعض الأحيان أو ايجابيا في أحيان أخرى، ومن هذه الشخصيات والنماذج نموذج الرجل الزئبق، ونموذج الحريص، ونموذج الجدعنة، ونموذج الطفل الكبير، ونموذج المراهقة المتأخرة، ونموذج عزيز قوم ذل، ونموذج الإمعة، ونموذج المظلوم، ونموذج البلطجي، ونموذج عابد المال أو الدرهم، ونموذج قليل الأصل، ونموذج الموظف العام عندما يفسد، ونموذج الإنسان عندما ينسى أصله، ونموذج الموظف المكافح، ونموذج الإنسان الخدوم، ونموذج ناشر البهجة، ونموذج النائب، ونموذج التاجر وغير ذلك من النماذج البشرية المختلفة والمتعددة والتي يشعر كل منا أنه قابلها أو صادفها في حياته، أو تعامل معها فاكتوى بنيرانها في بعض الأحيان، أو تأثر بها ايجابيا في أحيان أخرى، بمعنى أن هذه النماذج قابلة للتكرار والتواجد بصرف النظر عن الزمان والمكان.

ثانيا: إن الإغراق في المحلية يمكن ان يكون بداية الطريق للعالمية في مجال الأدب، ولنتذكر في هذا الإطار أديب مصر الكبير الراحل نجيب محفوظ والذي ركز في كتاباته على موضوعات شديدة المحلية مثل الحارة المصرية، والفتوة، والحرافيش، والأحياء الشعبية في مصر القديمة مثل قصر الشوق وبين القصرين والسكرية، واستطاع أن يدرس الشخصيات ويغوص فيها ويمزج بين المحلية والأبعاد التاريخية في مركب واحد استطاع من خلاله أن يصل إلى العالمية وهو أيضا ما استطاع أن يحققه الأديب العالمي جارسيا ماركيز من كولومبيا والذي استطاع أن يصل إلى العالمية وأن يحصل على جائزة نوبل في الأدب من خلال أعماله الأدبية وأشهرها مائة عام من العزلة، والحب في زمن الكوليرا، وغيرهما من الأعمال الأدبية التي استطاع من خلالها الانطلاق من المحلية إلى العالمية، فعندما يهتم الأديب بصدق ببيئته المحلية ويدرسها ويعبر عنها باقتدار ودراسة متعمقة لمفاتيح الشخصية وبأسلوب سهل وجذاب سواء من خلال النثر أو الشعر يمكنه الوصول إلى العالمية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا لا نهتم بأدبائنا الجادين وندفع بهم إلى العالمية؟

ثالثا: ضرورة الاهتمام بالمواهب الأدبية على المستوى الرسمي وتشجيع هذه المواهب، وتسليط الأضواء الإعلامية عليهم، فالأدب هو تعبير عن ضمير الأمة وضمير الوطن وهو الأداة التي يمكن من خلالها الارتقاء بذوق وقيم المجتمع، فقد تعرضت مصر بفعل عوامل متعددة سياسية واقتصادية واجتماعية لتغيرات سلبية في بعض السلوكيات والقيم التي انتشرت لدى بعض قطاعات المجتمع، وأحدثت بعض التغيرات السلوكية السلبية لدى قطاعات معينة، ولذلك يمكن أن يكون الأدب إحدى الأدوات المهمة التي تمكن المجتمع من استعادة قيمه الإيجابية والتخلص من القيم والسلوكيات السلبية وهو ما يتطلب اهتماماً اعلامياً بالأدب والأدباء، وكذلك اهتمام وزارة الثقافة وأجهزتها ولجانها المتخصصة في الأدب والشعر والقصة والسينما بالأعمال الإبداعية التي يقوم بها أدباء مصر وتسليط الأضواء عليها، وتحويل ما يصلح منها لأعمال سينمائية أو مسرحية أو نشرها من خلال اصدارات وزارة الثقافة أو ترجمتها حتى يمكن للأدب المصري أن يتخطى نطاق المحلية ويصل إلى العالمية، وحتى يمكن الارتقاء بالذوق والسلوك والقيم وصولا إلى الأفضل للوطن والمواطن.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة