رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

نحن شعب طيب، مقولة نرددها جميعا على مر الأزمنة، مقولة كنا نتباهى بها على الشعوب الغربية، ونقارن بين طيبتنا وبين جمودهم، بين مشاعرنا الدفاقة ومشاعرهم الباردة التى تطحنها المادة، وتعيش فى لهاث دائم بين العمل الجاد والكسب، ولا تتوقف كثيرا أمام الأحزان عشقا للحياة، ورغم أنى وغيرى بتنا نشكك حاليا فى مضمون «نحن شعب طيب» ومدى  صدقها وعمقها، فلم يعد أغلبنا طيبا ولا متسامحا، ولا متفانيا فى العطاء، ولا راعيا لحق غيره بجانب حقه، بل زات نغمة الانانية والانا الفردية على حساب مصلحة الجماعة، وتفشى شعار «اخطف واجرى» فى كل حياتنا، حتى تشعر أن أغلب من تتعامل معه سيمد يده فى جيبك ليفرغ احشاء ما به فى جيبه، مقابل أن يسأل عنك،او يتعطف عليك بخدمة «هى فى الأصل من حقك»، أو يشملك ببعض إنسانيته التى باتت لها تسعيرة حتى فى محيط الأسرة الواحدة وبين صلات الأرحام.

أى أننا كمصريين فقدنا أجمل وأروع ما كان يميزنا وتباهينا به على باقى الشعوب من خلق الله، وللأسف لم يقابل فقداننا هذه المشاعر النبيلة شيء آخر يصب فى مصلحة هذا البلد، مقارنة بالأوربيين مثلا الذى عايشتهم عن قرب سنوات طويلة، الأوروبي يشغل عقله لا عاطفته حتى فى أحلك أوقاته الإنسانية، إذا مات له ميت، يفكر على الفور فى الإجراءات السريعة لدفنه، وتقسيم ميراثه فى أيام قلائل على المستحقين، وتوزيع مقتنيات الميت على المحتاجين من الفقراء ودور الرعاية، وتسليم بيته «اذا كان يقيم فى بيته بمفرده بلا عائلة» تسليم هذا البيت خلال أيام الى شركة الإسكان ليستفيد منه آخرون ليس لهم سكن، أى أنه لا يتوقف أمام أحزانه طويلا لاطما خدوده شاقا جيوبه، وهذا لا يعنى أنه لا يحزن، بل مع حزنه يفكر فى المجتمع المحيط به، يفكر فى إفادة الآخرين.

إذا فقد الأوروبى عمله بسبب إفلاس المؤسسة، أو لأى سبب آخر، يلجأ الى الطرق القانونية المستقيمة للحصول على حقة المالى من هذه المؤسسة، ولكنه فى نفس الوقت لا يجلس فى بيته يبكى حظه ويندب مصيبته منتحرا على اللبن المسكوب، بل على الفور يبدأ فى البحث عن عمل فى أى مكان آخر، فهم لا يعشقون البطالة والتنطع، رغم أن معظم الدول الاوربية توفر بدل بطالة لمن لا يجد عملا وهو الحد الأدنى للاجور، ولكن لهذا البدل شروط أهمها ألا يقل عمر الشخص عن 27 عاما، أن يثبت بالأوراق الرسمية أنه حاول فى 14  مؤسسة وشركة على الأقل للبحث عن عمل وفشل.

الرائع فى الأمر أن الباحث عن عمل لا يتجمد أمام شهادته أو خبرته السابقة، أو حتى أمام راتب معين «بالمناسبة هناك حد ادنى للاجور بصورة رسمية»  فإن لم يجد عملا وفقا لشهادته «وهذا نادرا وسأوضح سبب ندرته  لاحقا» يتم توجيهه للحصول على دورة تدريبية عاجلة لاتقان حرفة أو مهنة أخرى وفقا لاحتياجات سوق العمل، ولا تتجاوز هذه الدورة التدريبية ستة أشهر، تتحمل خلالها الدولة تكلفة هذه الدورة، وخلال فترة التدريب من حقه الحصول على بدل البطالة، لأنه أثبت جديته فى البحث والسعى الى أى عمل دون تقاعس ودون اشتراطات الشهادة الحاصل عليها، وبهذا لا يبقى الشاب أو الفتاة طويلا بلا عمل، لأن طاقة الشباب الخلاقة يتم استثمارها ولا أقول استغلالها بقوة وحرفية فى بناء وتقدم تلك البلدان وخدمة شعوبها ورفع  مستويات الخدمات للجماهير الى حد الرفاهية.

أما سبب ندرة عدم توافر عمل وفقا لشهادة الشباب، فهذا لأن هذه البلدان تعمل بموجب استراتيجية عامة لسياسة الدولة، استراتيجية يتم يوضعها بموجب خطة تشارك فيها كل الوزرات على اختلاف حقائبهم أو مشارب التوجهات السياسية والحزبية لهؤلاء الوزراء، فوزير التعليم يتوافق مع متطلبات سوق العمل فى قبول إعداد الطلاب فى الجامعات، أو فى المدارس والمعاهد الحرفية والمهنية والفنية، ويتفق فى هذه الخطة وزير الاقتصاد، ووزير الشئون الاجتماعية وسائر الوزراء المعنيين بالقطاعات الخدمية الأخرى، لمعرفة احتياجات هذه القطاعات لإعداد الموظفين والخبرات، والوضع فى الاعتبار إعداد من سيتم احالتهم على المعاش فى السنوات المقبلة، لملء الفراغ المهنى الذى سيتركه هؤلاء المحالين للمعاشات، فلا يتم ترك شيء للصدفة.

وهكذا، تجد ان عمل الوزراء وسياسة الدولة تصب فى بوتقة واحدة، فلا يتفاجأ خريجو الجامعات كما هو الحال فى بلدنا الحبيب العجيب بعدم وجود عمل، ولا يصدم خريجو الصيدلة بقرار من النقيب برفض قبول آلاف الخريجين وحرمانهم من تصاريح مزاولة المهنة، ولا يجلس اصحاب الدراسات العليا وحملة الدكتوراه، «ملطوعين على رصيف البطالة يشربون الشيشة بالمقاهى نادبين حظهم لاعنين أبوالبلد، ولا يعمل مهندسا او طبيبا فى بنزينة أو كسائق تاكسى، انهم هناك يعملون وفقا لخطة عشرية او على الأقل خمسية، خطة لا تتغير بتغير وزير أو بسقوط حكومة، يعملون على قلب رجل واحد لا فى جزر منعزلة كما فى مصر، نعم سياسة الجزر المنعزلة ضيعتنا وقتلت الأمل والمستقبل لدى شبابنا، وهى السبب فى كل «البلاوى» التى نعانيها الآن من إرهاب وتطرف وجريمة، ولو شغلنا عقولنا من أجل هذا البلد، لكنا الآن من أسعد وأفضل شعوب العالم، وللحديث بقية.

 

 

[email protected]