عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مؤامرة اختطاف الدولة

بوابة الوفد الإلكترونية

من لا تردعه التظاهرات تقهره المؤامرات، هذا هو حال ثورات الشعوب في التاريخ الحديث، بدءا من الثورة الفرنسية الشهيرة التي غيرت وجه أوروبا والعالم.. مرورا بانتفاضة الربيع العربي وصولا إلي الثورة المصرية.

البداية واحدة في كل الثورات: مظاهرات من أجل الكرامة والحرية سرعان ما تختطفها خفافيش وغربان جرت العادة علي ارتباطها بمصالح وأهداف إقليمية، ففي الحالة الفرنسية اتفقت مصالح العديد من الدول الأوروبية مع أعداء الداخل لإجهاض الثورة، إلا أن الثوار الفرنسيين كان لهم رأي آخر ونجحوا في وأد الطرف الثالث.
وفي حالتنا العربية مصيبتنا أكبر، حيث نسلم ثوراتنا ومستقبلنا «تسليم مفتاح» للطرف الثالث الذي لم يعد خفيا بظهور دور «حماس» في ثورة 25 يناير وحزب الله في سوريا، وإسرائيل في تفتيت السودان ومعارك كردفان الحالية، والدائرة تدور علي بقية الدول العربية لإعادة تقسيم المنطقة وتشكيل الشرق الأوسط «الخفي» الجديد.

حسمت فضيحة الرسائل المتبادلة بين حركة حماس والإخوان إبان الثورة الجدل الدائر في الشارع المصري حول حقيقة الطرف الثالث الخفى الذى لعب دور العنف واثارة الفوضى إبان الثورة وإبان المظاهرات النوعية التى تلتها، الطرف الذى أساء الى الثوار والثورة، فمنذ الثورة والحديث يتكرر حول هذا الطرف الثالث سواء من قبل المجلس العسكري، من الشرطة من الشعب والإعلام بل ومن النظام، ويتم تبادل الاتهامات بين جميع الأطراف، فتارة يتم اتهام فلول النظام السابق لمبارك، وتارة يتم اتهام البلطجية، دون أن يتم الكشف حقيقة عن هذا الطرف الذى شوه وجه الثورة، وحول مظاهرات الثوار الى فوضى وعنف، أحرق السجون، وهرب المساجين أطلق نيران القناصة فوق الأسطح على المتظاهرين، فجر أحداث السفارات، مجلس الوزراء، ماسبيرو ومحمد محمود، وفجر أنابيب الغاز أكثر 12 مرة، والحديث عن الطرف الثالث يطول ثورات العربي التى بدأت فى تونس، اليمن، ليبيا، والآن سوريا.
وبنظرة عميقة وموضوعية على تكرار الحالة المصرية بطرفها الثالث فى جميع دول ثورات الربيع العربى، نجد ان الطرف الثالث الخفى لعب دورا بارزا ولا يزال فى دول ثورات الربيع العربى، ويمثله «ثالوث» أى أطراف ثلاثة قد لا يكون بينهم اتفاق مسبق للقيام بأعمال العنف والفوضى والعمل على تأجيجها، ولكن هدفهم فى النهاية واحد وهو إفشال الثورة، وإلهاء الثوار والشعب عن أهداف الثورة حتى إن اختلفت الدوافع لكل منهم، والضلع الاول فى المثلث هم فلول النظام السابق على قيام الثورة، وتكرر هذا بوضوح فى مصر، وباقى دول الربيع العربى، وقد تكون تونس قد نجحت نسبيا فى إجراء محاكمات سريعة لأذناب وفلول النظام بعد فرار الرئيس زين العابدين بمساعدة خليجية خارج البلاد، وتسير ليبيا على نفس الطريق وإن كانت قد نفذت أسلوبا أكثر عنفا باتمام تصفيات جسدية لقبائل وعوائل تابعة للقذافى عبر ميليشيات مسلحة من الثوار، إلا أن اليمن مثل مصر لا تزال تعانى من وجود أذناب النظام وتغلغلهم فى نسيج المجتمع، وتأليبهم للعنف والفوضى للقضاء على الثورة والعودة بالبلاد الى الوراء.
والضلع الثانى فى الثالوث هم: عملاء الدول الخارجية، وينقسم هذا الضلع الى أربعة أنواع من الدول، الأول دول كان لها مصالح مع أنظمة ما قبل الثورة، فتضررت مصالحها مع الأنظمة الثورية الجديدة، أو دول عدوة لا يريحها التحول الديمقراطى بالدولة العربية وهى فى حالتها الثورية كما أن استقرار الدولة العربية يمثل تهديدا لاستقرارها، وذلك على غرار العدو الإسرائيلى مع مصر أو مع أى من دول ثورات الربيع العربى عامة، أو دول يهمها استمرار حالة التوتر والقلق والانهيار الاقتصادى، حتى تلعب ادوارا بطولية بتقديم المعونات والمساعدات المشروطة لحماية مصالحها، أو تحقيق التغلغل والتدخل فى شئون دول ثورات الربيع العربى، وذلك على غرار امريكا التى بدأت تطبيق استراتيجية الغزو السلمى للدول التى ترغب فى الهيمنة عليها، بعد أن فشلت استراتيجتها للغزو العسكرى فى كل من أفغانستان والعراق، أو بعض بلدان الاتحاد الأوروبى أو بعض دول الخليج، وعلى رأسها قطر، أما النوع الآخر من الدول، هى دول يمثل فشل الثورات ضمانة استقرار لها حتى لا يتم المساس بأنظمتها، وحتى لا يشجع نجاح ثورات الربيع العربى حافزا لشعوبها لتخرج بدورها للتظاهر والثورة ضدها.
وهذه الدول بأنواعها الأربعة، تدس عملاءها، أو تجند بعض النشطاء بعد تدريبهم سرا بمنظمات منتشرة فى لبنان وأمريكا وتركيا وعدة دول حول العالم للعمل لصالح أمريكا تارة، ولصالح اسرائيل تارة، او لصالح بعض الدول العربية تارة ثالثة.
أما الضلع الثالث فى ثالوث الطرف الخفى، هم المهمشون فى مصر ودول الربيع العربى، أو فى أى دولة يمكن ان تقوم بها ثورة، هؤلاء المهمشون والفقراء لعبت الثورة على أحلامهم، وداعبت طموحاتهم فى تحقيق عدالة اجتماعية لهم، وإخراجهم من طبقات المجتمع المنسية الى السطح، غير أن الصراعات السياسية التى تدور فى دول ثورات الربيع العربى نتيجة للحراك السياسى، وعدم وجود قائد واحد للثورة يمكن الالتفاف حوله، وتوزع الثورة بين فئة تلقفت الثورة وخرجت بنظام عاجل غير مجهز لما بعد الثورة، وبين فئات معارضة تحاول إيجاد دور لها فى النظام الجديد خاصة أنها شاركت وكانت طرفا فى الثورة، كل هذا يؤدى الى اغفال تحقيق مطالب المهمشين والفقراء أو على الأقل إرجائها، وإرجاء الملفات الاقتصادية لحين هدوء واستقرار الحالة السياسة، وبالتالى يشعر المهمشون بأنهم لم يجنوا شيئا ولن يحصدوا من ثمار الثورة ولو على المدى القريب، وهؤلاء يتم استغلالهم بصورة كبيرة من أعداء الثورة والمتربصين بها، ويكونوا فريسة لأى من ضلعى المثلث سالف الذكر، الفلول، أو الدول الخارجية ليتحولوا الى عملاء لها فأى من هؤلاء يمكن شراؤه ببضعة دولارات، ليقتل ويسرق ويحرق، ويثير العنف والفوضى، وإذا أمكن للثورة والثوار التخلص من أى من الضلعين السابقين لمثلث الطرف الثالث الخفى، فإن القضاء على الطرف الأخير «المهمشين» يتطلب جهدا أكبر وتكثيفا فى العمل والمواجهة.
والشيء المشترك فى الطرف الثالث الخفى الذى ظهر فى دول ثورات الربيع العربى، هو سعيه لتشتيت الرأي العام وتوجيه الحشود واستغلال الأحداث وصناعة الأزمات وإنهاك الدولة داخلياً حتى تسقط تماماً، لتصل الى حالة اللادولة باللعب على اوتار ان الحالة المثلى لضمان حقوق الفرد هو الوصول لهذا الحق عن طريق صناعة الفوضى وصناعة المجموعات التى تسير كل مجموعة منها تحت قانون بها دون سلطة أو مؤسسات سيادية.
ولا مفر من الاعتراف بأن الطرف الخفى سبق وظهر ايضا فى افغانستان والعراق، وكان طرفا ممولا من جهات ومنظمات سرية من امريكا ومن اليهود، وساهمت هذه المنظمات بتمويلاتها فى اغراق البلدين في الصراعات الداخلية والحرب الأهلية وبالتالي مهدت الى احتلالها وانتهاك خيراتها، كما يوجد خيط ايضا يربط هذه العناصر المثيرة للفوضى فى دول الربيع العربى بتنظيم القاعدة، ففى العراق تم العثور على «اجندة» تضم خطة استراتيجية لتعزيز الموقف السياسي لدولة العراق الإسلامية» عن طريق تحريك عناصر مقاومة داخلية من عناصر راديكالية إسلامية انشقت من منظمات إسلامية جهادية لتفعيل استراتيجية مبتكرة.

الثورة الفرنسية
والمثير فى الأمر أن الطرف الثالث الخفى المضاد للثورة، ليس وليد العهد الحديث، أو وليد ثورات الربيع العربى، فقد عرفت ثورات كبرى فى التاريخ ظهور مثل هذا الطرف، وتعد الثورة الفرنسية نموذجا واضحا لوجود ما يعرف بالطرف الثالث المضاد للثورة، والذى حاول بكل الطرق الوقوف فى طريقها لإفشال أهدافها الشعبية، ولعب الطرف الثالث فى الثورة الفرنسية التى قامت عام 1789 أدوارا قاسية هددت الثورة أكثر من مره، ودفعتها الى حافة الهاوية، وكان الطرف الثالث السبب في إطالة من الأمد الزمنى لتحقيق أهداف الشعب الفرنسى من الثورة، ولم يكن الطرف الثالث فئة واحدة، بل أكثر من فئة، إلا أن الثورة تعاملت مع كل هؤلاء بصورة حاسمة وأكثر قسوة بتنفيذ احكام الاعدام العاجلة فيهم، وفى بداية الثورة كان بقايا النظام الاقطاعى وأذنابه هم الطرف الثالث الذى حاول محاربة أهداف الثورة وإفشالها، فتعاملت الثورة والثوار معهم بصورة قاطعة وصارمة بإعدام هؤلاء، وإعدام كل من يبدو معارضا لأهداف الثورة.
تلى ذلك ظهور طرف ثالث جديد وهم رجال الدين فى الكنيسة، عندما صدر قرار بإلغاء قوانين تشجيع الحركة الرهبانية، وتم حلّ جميع الجماعات الدينية في البلاد؛ وسمح للرهبان والراهبات بترك الأديرة، وصدر «نظام الحقوق المدنية لرجال الدين»، اعتبر بموجبه رجال الدين «موظفي حكومة»، وأنشأت الجمعية نظامًا جديدًا للكهنة والأساقفة والرعايا، كما حددت أجورهم، وبموجب النظام الجديد الذى اقرته الثورة للقضاء على نفوذ رجال الدين على الدولة، رفض عدد كبير من هؤلاء الخروج على الدستور الذى اقرته الثورة، ورفضوا أداء قسم يمين الولاء للدستور المدني الفرنسي، ما خلق انقساما وتسبب هذا فى تفجير غضب ونقمة الشعب، فخرجت مظاهرات تطالب «بنفيهم وترحيلهم قسرًا، وأخرى طالبت بإعدامهم كخونة، وبالفعل تم إعدام المئات من هؤلاء للقضاء على معارضتهم لقوانين الثورة ودستورها .
ثم ظهر الطرف الثالث مرة أخرى عندما فشل النظام الملكى الفرنسى وتحول الى الجمهوري، فقد خشيت الممالك الأوروبية فى حينه من تصدير الثورة الفرنسية اليها كما هو الحال الآن فى مصر، فيما كان الليبراليون فى الأنظمة الملكية الأخرى يتخوفون بدورهم من سحق النظام الجمهوري في فرنسا، مما سيؤدي لتعزيز النظام الملكي في بلدانهم، ومن هنا كان مؤيدو الملكية والمنتفعون بها طرفا ثالثا لإفساد التحول الجمهورى الديمقراطى، وفى المقابل سعى الليبراليون بدورهم الى إفشال النظام الملكى لينهار بسرعة، ثم كانت فترة تراجع التيار الثوري وعودة البورجوازية المعتدلة التي سيطرت على الحكم ووضعت دستورا جديدا وتحالفت مع الجيش، وشجعت الضابط نابليون بونابرت للقيام بانقلاب عسكري وإقامة نظام ديكتاتوري توسعي، أى كان المنتفعون من فشل الثورة كل على شاكلته هم الطرف الثالث، ودفع الشعب الفرنسى من عمره أعواما طويلة تجاوزت عقدا من الزمان حتى وضعت الثورة أوزارها وأثمرت أوكلها.