رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أمهات يتحملن مسئولية الأسرة بسبب استهتار الرجال

حكايات حزينة.. من «دفتر شقاء النساء»

عنف الرجل - سيدات
عنف الرجل - سيدات مصريات

تتزوجَ لتُحقق «المعادلة الأسمى» أسرة سويّة، عمادها زوجة تتكئ على رفيق رحلتها فتتشبث به بكلِّ ما أوتيت من قوة، لتقرر ألّا تُفلتَ يدها وإن حالَ بينها وبينه الموت المُحَقَّق.. هكذا تُبنى الأسر، وهنا يكمن الدفء، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يُدركه!.. فثمّة حياة لا تشتهيها سُفننا دارت رحاها فاختلت على إثرها أحلامُنا.

 

وإذا بالمسئوليات الملقاة على عاتق كلا الطرفين - والتي هي بمثابة حزام أمانٍ لأسرة لا ينفرط عقدها ولا ينفر وِدّها- تتكفل بها الزوجة «مجبرة لا مخيّرة» أمام زوجٍ تراخت يداه، وخلع عن نفسه لباسَ المسؤولية واختار طريقًا غير الذي هو مؤول له، وتحامل على زوجته فيخال البيت كأنه بيتُ عنكبوتٍ تهاوى في نسمةِ هواء وفي أولِ اختبارٍ حقيقيٍّ توارى وصار في مهب الريح.

 

فتمثل الزوجة - والتي هي بمرور الأيام والسنين حملت لقب «أم» - كَورقة شجرٍ كانَ يكتنفها دِفءٌ لطيفٌ، بغُصنها النَّضر وفي حضن جِذعٍ حَنون، هبت عليها عاصفة فَرّقت جمعها وذهبت بها أدراج الرياح. فتتمنى لو عادت بها الخطى إلى مِحرابها ذاك (بيت أبيها) وألا تجد نفسها في مكانها هذا.

 

وفي رحلة طويلة من البحث عن حكايات واقعية لزوجات أُلقى عليهن الحمل لإعانة عوائلهن، منهن من تزوجت من رجل سلك بعد الزواج طريق «الإدمان»، جيبه خاوٍ على المخدرات، وأخرى من عاطل يتلذذ بإنفاق زوجته عليه، وغيره “النسوانجي” الذي يلهث وراء نزواته.. والأطفال «آلام مسكوت عنها.. ضحايا لا لسان لها»، فتضطر الزوجات – في مثل هذه الحالات- إلى شغل الدورين معًا، وكأنهن جِئن الدنيا فألفين الوجعَ بالمرصاد، قاومن عاندن دافعن هاجمن صبرن بعد أن جزعن ويئِسن، ومضى العمر يتسلّل من بينهن كلِصٍّ حذِر من قبضة الأيام والأعوام، ولا يزال الهمّ عنوان قصةٍ ما تلاها تالٍ أو سمعها سامع إلا استدرت دموعه فانهملت كأفواه القِرب.

 

انغمسن في المسؤولية حتى الثّمالة، متمنين -حتى اللحظة- أن تقَر الأجفان بعد طولِ عناءٍ في رحلة أبدية من البحث عن الراحة التي هي في نظرهن كخيال مسافر في انتظارِ الشمس حتى تأتيَ الناس من مغربها فلا ينفعُ نفسا إيمانها.

 

هذا الملف يرصد بعض مآسي النساء اللاتي يكافحن ليل نهار لإنقاذ الأسرة من الانهيار.

«عبير»: زوجى مدمن

 

حكاية «عبير» مؤلمة ومليئة بالحزن والندم، في لقائنا معها رفعت منديلًا لتمسح دموعها التي ترقرقت بين جفنيها وعلى خديها، وهي تضرب فأسها في الأرض بعزيمة لا تفل وقوة لا تخور، توقفت برهة وقد سَرحَ في مَهامها الفكر، لاحت أمام ناظريها وجوه بَنِيها يكسوها بؤس كبير ويخيّم عليها فقرٌ مُدقع، عادت تضرب فأسها بقوة أكبر وعزيمة أشد، توقفت مجددًا، لاح لناظريها منظر زوجها تخيّلته واقفًا أمامها بملابس رثَّة اهترأت وحال لونها ووجه شاحب أخفت المخدرات قسماته لا حول له ولا قوة، فعادت تضرب فأسها مجددًا، لاحت لها أمها المريضة، أبوها المسن، بيتها البسيط الآيل للسقوط، طفقت تضرب وتضرب وتضرب.. تزرع الأرض وتتلهف ليوم الحصاد، ها هي الأرض تُزهر تحت فأسها، توقفت لتستريح قليلًا وتلتقط أنفاسها،  مدّت يدها لتمسح وجهها بعدما تصبب عَرقًا، وبدأت تسرد مأساة زواجها البائس الذي دام 10 أعوام قائلة: «تزوجت بطريقة تقليدية، لم يكن يفصلني عنه سوى سنوات قليلة، كان ميسور الحال ويمتلك قطعة أرض، كانت حياتنا في بادئ الأمر مثالًا للحياة المثالية الهادئة، وكان زوجي مثالًا للرجل المحب لبيته وزوجته، الغيور عليها من أنفاسها وأعين المقربين إليها، والمخلص لها كإخلاص الثائر الحق لوطنه، كان يرعى أرضه ويقتطع من زاده ليطعم طفليه، ويضحي بمظهره في مقابل أن يكسوهما بأفضل الثياب، تسلل أصدقاء السوء إليه، فسيطروا على عقله، وعلّموه كيف يشد الأنفاس ويبتلع أقراص الترامادول المخدرة، ويقضي ليله يستنشق المساحيق البيضاء على مرأى ومسمع من الصغيرين دون استحياء».

 

وأضافت: «تحول إلى رجل قاسي القلب، لا يعبأ إلا بنفسه واهتماماته الخاصة فقط، وبتوفير حاجاته من السم الأبيض والأقراص المخدرة، لا يقوى حتى على الحركة، وإن سار خطوة كان يبدو كالذي يتخبط من المس، لا يفيق من تأثير المخدرات، ولا يستحي أن يتعاطيها في حضرة زوجته، بل ويدعو أصدقاءه المدمنين ليستمتعوا بلحظات سعادتهم المزيفة في منزلنا، وحينما كنت أعلن رفضي لممارسته، كان يوجِّه لي اللكمات والصفعات والركلات، وينهال على جسدي الهزيل بالضرب، ورغم كل ذلك تحملت وصبرت من أجل مستقبل الصغيرين، وخوفًا من تحرش أحد المنتشين بي، الذين كانوا يتجولون في منزلي بحرية وكأنه طريق عام، أو تهجمهم عليَّ ورجلي غائب عن الوعي، بِتُّ أقضي ليلي خائفة وجالسة على حافة سريري مرتدية عباءتي السوداء البالية وقابضة على أطرافها بقوة حتى ينصرفوا».

 

واختتمت: «ازداد زوجي في طغيانه، وباع جزءًا كبيرًا من أرضه لشراء المخدرات، تاركًا بيتي خاليًا من المال والطعام، قررت تحمل العيش معه من أجل تربية أبنائي، ولأنفق عليهم عملت بالأرض ليلًا ونهارًا، وما تدره لنا يسد جوعي أنا وصغاري».

 

«إلهام»: أعمل في القمامة لأعول أطفالي 

 

«أنا زوجة لرجل يعشق كل نساء الأرض».. بهذه الكلمات بدأت "إلهام. م" رواية تفاصيل حكايتها قائلة: «تزوجت من رجل ظننت أنه سيريح جسدي من عناء العمل بالمحال التجارية والمصانع، ويعوضني عن سنوات الشقاء والحرمان التي عشتها بعد وفاة والدي، قبلت الزواج منه، ولم تمر سوى أشهر معدودة حتى انكشف وجهه القبيح، رجل أناني لا يفعل شيئًا في الحياة سوى اهتماماته الشخصية واللهاث وراء النساء، أما زوجته وأولاده فيتذيلون قائمة اهتماماته، تحملت تلك الحياة من أجل الطفلين، وحاولت أن أصلح من حاله لكن دون جدوى».

 

وأضافت: «ظننت أنه سيوفر لي حياة كريمة وبيتًا آدميًا، فمالُه الذي يجنيه من عمله كصاحب مصنع وفير، ولكنني لم أجد سوى خيبة الأمل وبيتًا متهالكًا لا يختلف كثيرًا عن بيت أهلي الذي ظننت أنني تركته بلا عودة، ورجل يقضي ليله في شد الأنفاس وممارسة الرذيلة، تراكمت علينا الديون، وصار الجوع لا يغادر منزلنا البائس، واضطررت للخدمة في بيوت العباد كي أسد جوع الطفلين، وصل بي الحال لجمع القمامة من الشوارع لأدفع المصروفات المدرسية للطفلين، وأخبز الخبز وأبيعه لأنفق على أولادي».

 

«أسماء»: أتحمل مسئولية عائلتي 

سردت «أسماء. ش»، مأساة زواجها: «بعد الزواج اصطدمت بوجه كسول لزوجي، وجدته لا يفعل شيئًا في الحياة سوى الأكل والنوم، أما السعي وراء الرزق فيتذيل قائمة اهتماماته، وبعد مرور عام على زواجنا، فوجئت بصاحب العقار يطالبنا بإخلاء الشقة، لأن عقدها قد انتهى، فانتقلنا للعيش مع والدتي لكنها لم تتحملنا وعاملتنا كالغرباء، فبحثنا عن غرفة نحتمي بها، وظننت أن هذا الدرس القاسي سيجعل زوجي يفيق من غيبوبة كسله لكنني كنت مخطئة، وعادت ريمة لعاداتها القديمة، وساءت الأوضاع أكثر وتراكمت علينا الديون».

 

تزيح الزوجة الثلاثينية قطرات الدموع المتناثرة على وجنتيها بطرف عباءتها السوداء: «بحثت عن عمل لأسدد مصروفات مدرسة ابنتي وابني الذي سيلحق بها بعد أعوام معدودة، بعدما أفلت زوجي يده عنا لمجرد أنه وجد «لقمة ونومة أخرى» ببيت أمه، ولم يسأل عن طفليه، أو يرسل لهما مليمًا واحدًا لأكثر من عام، فعملت بمصنع ملابس صباحًا وبعد الظهيرة بالخياطة لأنفق على الطفلين بدلًا من أن ينهش الجوع جسديهما».

 

عالم أزهري: الجنة تحت أقدام «المعيلات» 

قال عبدالسميع محمد أمين، من علماء الأزهر الشريف، إن الإسلام اعتنى اعتناءً شديدًا بالمرأة من حيث كونها أمّا أو أختًا أو زوجة أو بنتًا أو حتى امرأة عادية لها حق حفظ العرض ممن يعيش بجوارها.

وأضاف: «هناك نماذج كثيرة للأعباء التي تقع على عاتق الأمهات اللاتي فقدن أزواجهن فصار في رقابهن يتامى، فبذلن كل شيء في سبيل تربية أبنائهن مضحيات بسعادتهن بل وحياتهن كلها لإخراج أبنائهن في أفضل هيئة وعلى خير خلق وهداية تنير لهم الحياة وتسعدهم في الآخرة، وهذا هو المطلوب، وأعني بذلك الاهتمام بأمورهم الدنيوية وإصلاحها وتعويدهم على السعي والارتقاء الدائم وكذلك الاهتمام بطاعة الله تعالى والقرب منه؛ أملًا في إرضاء الله تعالى ودخول الجنة وهما قرينان لا ينفصلان».

واستشهد عبدالسميع بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»، وهي هنا بحسن رعايتها لها أجران؛ الأول: أجر كافل اليتيم، وهو في رفقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. وإلى هذا أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة، وأشار مالك بالسبابة والوسطى». والمقصود هنا أولادها أو أبناء غيرها، والأجر الثاني هو أجر من ابتلي بشيء من الأبناء فصبر عليهم وأحسن تربيتهم وإلى هذا الإشارة بما في الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت: جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئًا، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثته حديثها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ابتلي من البنات بشيء، فأحسن إليهن، كن له سترًا من النار».. والمراد بالإحسان إليهن صيانتهن، والقيام بما يصلحهن من نفقة وكسوة، وتعليم، وتأديب، ونحو ذلك.

 

واستطرد «عبدالسميع» قائلًا: من ذلك أيضًا ما منحه الله تعالى من المكانة السامية والأجر الكبير الذي تميزت به (أم اليتيم) التي إذا ترملت؛ عزفت عن الزواج، رغم امتلاكها لمؤهلاته، إيثارًا لمصلحة أبنائها الأيتام، وتفرغًا لتربيتهم ورعايتهم، تلك الدرجة العالية التي لا يشاركها فيها أحد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا أول من يفتح له باب الجنة, إلا أن امرأة تبادرني فأقول لها: ما لك أو ما أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتامي» رواه أبو يعلى في مسنده.

 

واختتم بقول الإمام الشافعي رحمه الله عن نفسه: «كنتُ يتيمًا في حجر أمي، ولم يكن لها ما تعطيه للمعلم، وكان المعلم قد رضي مني أن أخلفه إذا قام، وأخفف عنه». وببركتها وحسن تربيتها صار إمام الدنيا كلها وانتشر علمه في الآفاق. فجزى الله أمهاتنا جميعًا وهنّ كثر يفعلن هذا الأمر من دون تزمت أو نظر لمصلحة شخصية بل كل ما عندها تصبه في مصلحة أبنائها، وجزى آباءنا أيضًا خير جزاء فعليهن عبء كبير وبعضهم في منزله يقوم بدور الأم وزيادة.

 

خبراء: الأمراض النفسية تحاصرهن.. بسبب تقاعس الرجال

بعض الدراسات أثبتت أن عدد الأسر التي تعتمد على المرأة كمعيل أساسي يصل إلى 30% من الأسر المصرية، حيث تقوم المرأة بدورها الأساسي كأم، كما أنها تقوم بدور الزوج الذي تخلى عن مكانه لسبب أو لآخر، لتصبح المرأة هي حائط الصد الأول والأخير عن الأسرة، فهي عمود الخيمة الذي لا يمكن أن يستقيم كيان الأسرة بدونه، ومع ذلك فقد أكد الخبراء أن المرأة المعيلة عرضة للإصابة بالأمراض النفسية أكثر من غيرها.

 

الدكتورة منى حمدي، إخصائي الطب النفسي بمستشفى المعمورة، تشدد على أن كثيرًا من السيدات يتعرضن لضغوط مادية ونفسية بسبب وجود رجل لا فائدة منه، فمنهن من تقع في زوج عاطل وأحيانا مدمن، حينها تتحمل المرأة عبئًا ماديًا كبيرًا كـ«مصاريف البيت»، وأحيانًا تتحمل «مصاريف إدمانه» من أول حق الضرب أو حتى محاولات العلاج، فتتأثر المرأة نفسيًا، ونجد الأغلبية منهن يعانين من مشاكل في النوم أو اكتئاب وأحيانًا محاولات انتحار، والوضع الأصعب إذ كان الشخص مريضًا فصام بسبب الإدمان، فمن هنا تبدأ معاناة المرأة لإقناعه بالالتزام بالعلاج، ومن المحتمل تعرضها لـ«عنف أسري».

 

وسردت إخصائية الطب النفسي بعض النماذج لحالات مرّت عليها قائلة: «مرت عليّ حالات عدة؛ إحدى هذه الحالات لسيدة تشكو حال زوجها، أدمن كل أنواع المخدرات وكالعادة علّمها هي الأخرى الشرب، وصارت ذليلة له، مؤخرًا جرب مخدر الكريستال وأصيب بـ«ذهان تعاطي» وبدأ يشك في زوجته التي تعرضت لعنف أسرى وإهانات كثيرة، لدرجة أن أهلها تخلو عنها وبدأ الزوج يمتنع عن الإنفاق على البيت والأولاد، هذه السيدة حاولت الانتحار أكثر من مرة ورفضت العلاج من الإدمان سوى في حالة واحدة ألا وهي طلاقها، الذي قوبل بالرفض من زوجها، ولديها ولدان أحدهما تحوّل لطفل يخاف من أقل شيء، ويبكي باستمرار، والآخر تحوّل لصورة مصغرّة من الأب، وبدأ يتطاول على أمه».

 

وتابعت إخصائية الطب النفسي: «أحيانًا لا تكون هناك مشكلة واضحة عند الرجل الذي تخلّى عن زوجته وأبنائه، مما يثير التساؤلات والحيرة حول سبب تركهم والامتناع عن الإنفاق عليهم، فإحدى الحالات كان زوجها مضطربًا لدرجة أنه كان يرفض أن يتقاضى راتبه، وفي الوقت نفسه يدّعي الإفلاس، فطلبت الزوجة الطلاق وعاشت على مساعدات أقاربها، ومع الوقت أصيبت باكتئاب وشُخّص أحد أبنائها باكتئاب ذهاني والابنة باضطراب الشخصية الحدية».

 

وأضافت الدكتورة منى حمدي: «أن الأزمة هنا تكمن في حالة إن لم تجد الزوجة -بعد كل هذا العناء- دعمًا من أهلها، فتزداد احتمالية إصابتها بمرض نفسي، وفي كثير من الأسر يكون الزوج مُصابًا بمرض نفسي مزمن، ودائم التردد على المستشفيات، وتبدأ معاناة الزوجة بمحاولة علاجه والإنفاق عليه وعلى البيت، دون أن يركز معها أحد، ولا تركز هي ذاتها في نفسها من قلق مرضي ونوم طبيعي».

 

وأشارت إلى أن إحدى الزوجات أخبرتها ذات مرة حين وصفت لها علاجًا بأنه غير ضروري علاجها، والأهم علاج زوجها، فإن عُولج هو فقد سلِمت هي». 

 

واستطردت «حمدي» في حديثها قائلة: «الشيء المؤسف هنا عندما يتخلى الزوج عن أسرته دون تشخيص واضح لأفعاله غير أنه خائن مثلًا أو حتى «نذل» فمعاناة الزوجة هنا أكبر؛ لأن السبب غير واضح أو سبب صعب تصديقه، بجانب أنها ستتحمل البيت والأولاد والأعباء، وستظل طوال الوقت في صراع حول سبب تخليه عنها وعن أولاده وأي جُرمٍ ارتكبته في حقه. ومن الوارد أن تكره نفسها طبعًا مع الوقت ونادرًا ما تطلب المساعدة أو العلاج، ووارد أيضًا أن تتحول إلى أم عنيفة ويصاب الأطفال بالاضطرابات، وحينها تشكو وتبكي على اللبن المسكوب».

 

وأضافت أن أزمة الزوجة بعد الانفصال عمومًا سواء بالطلاق أو غيره كونها مسؤولة ماديًا ومعنويًا عن نفسها وعن أولادها، مُطالبة بتعويض دور الأب أيضًا أيًا كان مقدار الأذى الذي تعرّضت له، فحتمًا عليها الحفاظ على صورته في نظر الأولاد، وكثير من السيدات على هذه الشاكلة أصبن بالاحتراق النفسى دون علم، فقط يلاحظن تأثرًا في تناول الطعام واضطرابًا في النوم، وتصبح المرأة أكثر عصبية.

 

وقالت إخصائية الطب النفسى: ذات مرة جاءتني امرأة ريفية، أحضرها أهلها للكشف رغمًا عنها لأنها حاولت الانتحار مرتين- وكانت كل مشكلتها أنها ترغب في الطلاق من زوجها، لسوء معاملته لها وزواجه عليها من أخرى، وأجبرها أهلها على تحمل ذلك الوضع من أجل بناتها، مبررين ذلك بأن الطلاق سيقف عائقًا أمام زواج بناتها، وفي كل مرة تُعلن رفضها للوضع وأن الانفصال حقها، وكان العنف والتأنيب يزداد أكثر، وطلبوا مني نصًا أن «أعقلها علشان ترجع لجوزها»، ومرّت عليّ حالة أخرى، كانت تعانى من حالة نفسية سيئة جدًا بسبب خيانة زوجها لها، ولكنها لم تستطع الانفصال عنه بحجة أنها لا تملك مصدر دخل لها بعد الطلاق، ومجرد تخيل العبء المادي والنفسي بعد الطلاق يُرعبها، فدخلت في اكتئاب من كثرة إحساسها بالذنب».

 

واختتمت إخصائية الطب النفسي حديثها قائلة: «دورنا زيادة الوعي والتشخيص والعلاج، في حال استعداد الحالة للتغيير، فكثير من السيدات يقصدن الطبيب ليقرر بدلًا منهن أو يقنع أهلهن».

 

والتقط أطراف الحديث الدكتور بيشوي سمير، إخصائي الطب النفسى، قائلًا: «إن الزوجة في هذه الحالة ليس عليها حمل مادي مضاعف فحسب، بل عليها أيضًا حمل نفسي مضاعف بسبب تعويض دور الأب، غير أنها محرومة من الحب والاهتمام من زوجها فبذلك هي محرومة من المساندة النفسية، وفي الوقت نفسه مطلوب منها مضاعفة جرعة الدعم النفسي والعاطفي لأولادها لتعوض غياب الأب».

 

محامِ بالنقض: مكاتب فض المنازعات الأسرية «حبر على ورق»

عصام الدين أبوالعلا، المحامي بالنقض، يشير إلى أن هناك حالات عدة تقوم فيها الزوجة بالإنفاق منفردة على أسرتها، رغم قدرة زوجها على العمل، وقد وضع القانون حدًا لتلك المسألة، فالمرأة المطلقة لها من الحقوق ما لا يجب أن تغفل عنه سواء بالاستغناء أو اليأس من تحقيق نتيجة؛ لأنه ليست كل الحقوق لها بل هناك ما يكون لصغارها وأخيرًا الأرملة وهي أدق تلك الحالات.

 

وبدأ المحامي بالنقض حديثه بالزوجة التي تنفق على أسرتها رغم قدرة الزوج على العمل، حيث يحق لها المطالبة بإلزام زوجها بأن ينفق عليها وعلى أبنائه منها بما يتفق مع قدرته ويساره، فإن لم يفعل ذلك وديًا أو بتدخل من الأهل كان لها أن تتوجه إلى محكمة الأسرة للمطالبة بحقوقها وحقوق أبنائها من تكاليف الملبس والسكن المناسب ومصاريف علاجها وعلاج الأبناء وتعليمهم ولا يشترط لكي تطالب بتلك الحقوق أن تكون مطلقة.

 

وتابع عصام الدين أبوالعلا، قائلا: إن الزوجة التي طلقت من زوجها ويرفض الإنفاق عليها يمكنها أيضًا بعد استنفاد كل الطرق الودية المتاحة أن تتجه إلى محكمة الأسرة، وتعرض أمر نفقة الصغار على مكتب تسوية المنازعات الأسرية بالمحكمة التابع لها موطنها أو موطن مطلقها، حيث لها الخيار بين رفع الدعوى أمام المحكمة التي يقع موطنها في دائرتها أو موطن المطلق لتطالب بنفقة الصغار، وهذا حق من حقوقهم لا يجوز لها التنازل عنه، وتطالب أيضًا بأجر مسكن أو توفير مسكن مناسب للصغار، كما لها أن تطالب بأجر عن حضانتها لهم وهذا حق من حقوقها هي، فضلًا عن المطالبات الأخرى المتعلقة بمصاريف العلاج والتعليم وبدل الفرش والغطاء وأجر الإرضاع وأجر الخادم إن كان يسار مطلقها يسمح بذلك، وفي حالة عدم حضور المطلق إلى مكتب تسوية المنازعات الأسرية كان لها أن تلجأ إلى محكمة الأسرة لعرض طلباتها.

 

وأضاف «أبوالعلا»، أن الزوجة الأرملة التي تعيل صغارًا فإنه إن كان هناك من الأقارب من تجب عليه نفقة الصغار فيمكن لها أن تتخذ ذات الإجراءات إلا أن الأمر يختلف في حالتها، إذ إن النفقة التي ستقرر لصغارها لن تكون سوى بما يوفر حد الكفاية للصغار، وهو أمر غاية في الصعوبة وإن كان يعوضه بعض الشيء ما لها من الحق في الحصول على بعض الحقوق من معاش زوجها إن وجد أو والدها أو والدتها، أو ما قد توفره الدولة لها من بدائل أخرى تساعدها على مواجهة أعباء الحياة.

 

واختتم المستشار القانوني حديثه قائلًا: «أخيرًا ننوه إلى أن المشرع يجب أن يتدخل في أمر مكاتب تسوية المنازعات الأسرية ليتم تفعيل دورها فقانون إنشائها كانت فكرته عظيمة للغاية وهى رأب الصدع قبل أن تتفاقم المشكلة، لكنه تحول إلى إجراء روتيني الغرض منه المرور عليه فقط لرفع الدعوى أمام محكمة الأسرة وإلا كانت الدعوى غير مقبولة أو أوقفت المحكمة لحين الانتهاء من التسوية، ثم العودة للسير في الدعوى مرة أخرى.

 

وأهاب بالمشرع التدخل لمنح أعضاء تلك المكاتب بعضًا من المرونة بحيث يسمح لهم بموالاة وساطتهم بين الطرفين ويمكن منحهم الحق في الانتقال إلى الطرف الذي لم يحضر في الموعد المحدد والانفراد بكل طرف على حدة وصولًا لاتفاق شامل بين الطرفين، أو على الأقل اتفاق جزئي بينهما، على أن تنظر المحكمة فقط ما لم يتم الاتفاق عليه بما يوفر الجهد على المحكمة ويقلص عدد القضايا المطروحة عليها.

 

المشروعات الصغيرة.. طوق نجاة لمعظم النساء

قال أبوبكر الديب، مستشار المركز العربي للدراسات والباحث في الشؤون الاقتصادية، إن عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي شهد دعمًا وتقدمًا ملحوظًا في ملف «تمكين المرأة» وزيادة مشاركتها في المجالات المختلفة وخصوصًا الاقتصادية من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.

 

وأكد أن الرئيس وجه الحكومة في مرات عدة للاهتمام بملف المرأة المعيلة وحمايتها ومنحها الحقوق كافة، موضحًا أن استراتيجية التنمية المستدامة لمصر 2030 تضمنت العمل على القضاء على نسبة الفقر للمرأة المعيلة، وخلق بيئة داعمة لهذه الفئة الأشد احتياجًا في المجتمع والتي تمثل ما يزيد على 35% منه.

 

وأوضح أن المقصود بالتمكين الاقتصادي للمرأة المعيلة هو تنمية قدراتها لتوسيع خيارات العمل أمامها وزيادة مشاركتها في قوة العمل، خصوصًا في مجال المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وبالأخص في المناطق الريفية والقرى والعشوائيات.

 

وأشار إلى أن المرأة المعيلة هي التي تتولى رعاية شؤونها وشؤون أسرتها ماديًا من دون الاعتماد على عائل لها، مثل غياب أو مرض الزوج أو الأب أو الأخ، وإما أن تكون أرملة أو مطلقة.

 

وأضاف أن الدستور المصري شدد على حماية المرأة المعيلة، إذ نصّ على أن تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأن تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل، كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجًا.

 

وأشار إلى وجود ما يقرب من 4 ملايين أسرة تعولها سيدة، ولذلك يجب تكاتف جميع أجهزة الدولة لدعم المرأة المعيلة وتمكينها اقتصاديًا.

 

 

وطالب أبوبكر الديب بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر للمرأة المعيلة والشباب، والتي تسمى بـ«مشروعات الغلابة»، فهي يمكن أن تسهم بأكثر من 3 تريليونات جنيه من إجمالي الناتج المحلي المصري، مشيرًا إلى أن قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يمثل 98% من إجمالي عدد المشروعات في مصر، أما من حيث الناتج والمساهمة في الاقتصاد فلا تزيد مساهمته على 50% وتوظف 70٪ من إجمالي العمالة.

 

وقال إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر أو ما يعرف بمشروعات البسطاء تمثل العمود الفقري للاقتصاد المصري وتبلغ حوالي 2.5 مليون مشروع.

 

وأوضح أن المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة تكتسب أهمية حيوية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للمرأة المعيلة والشباب، خصوصًا في تعزيز الابتكار والإبداع وتوفير العمل اللائق للجميع، وتشكل الجهود الرامية إلى تعزيز فرص حصول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم على التمويل عبر القطاعات الرئيسية للاقتصادات الوطنية عنصرًا مهمًا في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.

 

كما أوضح أن المشروعات الصغيرة تسهم في توفير احتياجات السوق المحلية، وتقليل فاتورة الاستيراد وتوفير فرص العمل وتشغيل ملايين الشباب، فهذه المشروعات هي كلمة السر في تنمية الاقتصاد، ومن شأنها توفير الملايين من فرص العمل للسيدات والشباب والحد من الفقر والبطالة وإنعاش الجنيه مقابل سلة العملات الأجنبية وخصوصًا الدولار من خلال زيادة التصدير.

 

وأضاف الديب أنّ المشروعات الصغيرة في الولايات المتحدة والتي تديرها السيدات والشباب تشكل 97% من إجمالي المشروعات الأمريكية، وتسهم في حوالي 34% من ناتج القومي الإجمالي الأمريكي، وتسهم في خلق 58% من إجمالي فرص العمل المتاحة في أمريكا وفي كندا تسهم في توفير 33% وفي اليابان 55.7% والفلبين 74% وإندونيسيا 88% وكوريا الجنوبية 35%.

 

وقال إن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تعد عصب الاقتصاد الوطني كونها المشغل الأكبر للأيدي العاملة، وتسهم في زيادة إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم المتحققة من المنتجات التي تصنعها وهي لا تحتاج إلى رأسمال كبير.

 

وأشاد الديب بالمبادرة الرئاسية حياة كريمة والتي انطلقت في 25 محافظة على مستوى الجمهورية، وتهدف إلى دعم المرأة المعيلة من خلال تطوير البنية الأساسية والمرافق وتوفير سكن كريم للفئات الأولى بالرعاية، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية وتطوير الوحدات ومراكز الشباب، كما تهدف لتحقيق التمكين الاقتصادي وتدريب وتأهيل وتشغيل القادرين على العمل وخصوصًا السيدات المعيلات.

 

كما أشاد بالاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة المصرية 2030، والتي تتضمن محورًا خاصًا بالتمكين الاقتصادي للمرأة، والتوجيه بمشروعات عديدة لمساعدتها على النهوض بمستواها الاجتماعي والمعيشي.