رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فلسفة الصوم

 د. مجدى إبراهيم
د. مجدى إبراهيم

فى تراثنا الأدبى والفكرى، لا سيما عند مفكرى وأدباء القرن العشرين، نظرات ثاقبة من حقنا أن نتوخاها وندرسها ونستفيد من معالمها الثقافية والنقدية والتنويرية، وبخاصّة إذا كانت تلك المعالم باقية فينا من حيث كونها تتصل بالوعى الإنسانى لتهذب النفس وتصقل مدارك العقل، وتصل الجديد بما يسبقه من جوانب الأصالة والابتكار، حتى إذا عكف شبابنا المثقف على الأصالة فى عيونها التليدة أصبح له من الوعى واتساع الأفق ما عساه يؤهله أن يصل الطارق (الجديد) بالتليد (القديم)، ولا سيما فى مسألة «نقد القيم» وهى مسألة بلا شك يحتاجها كل زمن وكل عصر؛ لأنه فى كل زمن وفى كل عصر تتبدل القيم وتتغير، وتسود قيم رجعية متخلفة تصنعها المجتمعات البدائية ويصنعها التقليد الإنسانى الغارق فى البداوة، لم تعد تساير حركة التطور، ولم تعد تواكب العصر الذى نعيش فيه.

وإذا كانت هذه القيم متصلة بالدين، فالنقد الذى يجرى عليها أولى وأحق بالعناية ممّا هى متصلة بسواه، لأن الدين لا يحتمل تشويهاً ولا تغييراً فى أصوله ومبادئه؛ فنقد القيم فيه نقد للتطرف والغلو، ونقد للفهم الإنسانى المشوش المغلوط والمختلط بخليط عجيب من أوهام البشر وسوء فهمهم للعقيدة التى يدينون لها بكل الولاء.

فى كتابه «على الأثير» عالج الأستاذ الكبير عباس محمود العقاد (1889م 1964م) عليه رحمة الله حكمة الصوم فى الأديان الكتابية بين الفكرة والعبادة، واستعرضها تاريخيًا فكان مما رآه أن العباداتُ على اختلافِها معروفة فى الأديان الوثنية القديمة، ولكنّ الأديان الكتابية هذّبتها ووفـّقت بين معانيها وفضائل النفس فى عهود التقدم والحضارة، وأزالت عنها أدران الهمجيّة ومعائب القسوة والجهالة وبقايا الأساطير الأولى. ومن العبادات القديمة فى تاريخ التدين عبادة الصوم بأنواعه الكثيرة،

ومنها الصيام عن بعض الطعام والصيام عن الطعام كله، والصيام فى بعض ساعات اليوم، والصيام فى أيام متواليات، وصيام الشكر وصيام الرياضة، وصيام التكفير.

ومن المُرجّح دائما أنّ العقائد التى تـُلازم النفوس زمناً طويلاً لا ترجع فى نشأتها إلى أصل واحد ولا علـّة واحدة، والصيام أحد هذه العقائد التى تـُحصى لها أصولٌ كثيرة فى علم الأجناس البشرية وعلم مقابلة الأديان.

إلا أنّ الصوم فى الأديان الكتابية شيءٌ آخر غير هذا الصوم فى غرضه ومعناه، لأنه ارتقى من مرتبة التعاويذ والحِيَل التى تصطنع لمداراة الأرباب والأرواح إلى مرتبة الرياضة النفسية والأدب الذى تـُعالج به الضمائر والأخلاق.

وقد تعددت حِكَمُ الصوم فى رأى رجال الدين من المسلمين وغير المسلمين، فحِكمة الصوم عند بعضهم أنـّهُ تعليم للأغنياء ليشعروا بحاجة الفقراء، وحكمتهُ عند بعضهم أنّهُ تكفير عن الخطايا بعقاب الأجساد التى تعانى ما تعانيه من الجوع والظمأ، وعند بعضهم أنّهُ تطهير للجسم وتنزيه عن الحاجات الحيوانيّة إلى الطعام والشراب.

وأحسنُ الحكم موقعًا من العقل والنفس أنّ الصومَ تدريبٌ للعزيمةِ والخلق وتغليب لقوة الروح. وهو شرفٌ إنسانى لا يزهد فيه الأغنياء ولا الفقراء.