رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

(2) المغربى فؤاد زويريق: مصر خلقت لتحمل مشعل الأمومة

 فؤاد زويريق
فؤاد زويريق

تبقى مصر دائما ملهمة الشعراء والفنانين في العالم , عاش فيها فى الشاعر اللبنانى خليل مطران حتى  لقبوه بشاعر القطرين-مصر ولبنان- وهو اللقب الذى منحته إياه جماعة "أبلو" للشعر بتزكية من أمير الشعراء أحمد شوقى.

 

اقرأ أيضا.. في ذكرى وفاته.. "خليل مطران" صاحب المساء الحزين

 

كتب"مطران" الكثير من قصائده يتغزل فى مصر وشعبها وجمالها,  بل انخرط  فى العمل الأدبى والصحفى فى مصر , فقد عمل رئيسا لتحرير صحيفة الأهرام العريقة,ومديرا للمسرح القومى.

 

والشاعر اللبنانى إيليا أبو ماضى عاش فى مصر ونشر أجمل أشعاره فيها، وكذلك المبدعين ميخائيل نعمية, والعراقى مهدى الجواهرى الذي عاش سنوات فى مصر فترةالستينات  وبداية السبعينات، ثم عاد إليها مرة أخرى ليحيا بها سنوات حياته الأخيرة, وكتب فيها أكثر من قصيدة, وحظي بالحفاوة والتكريم.

 

واليوم موعدنا مع الكاتب المغربى عاشق مصر حتى النخاع فؤاد زويريق ليكمل لنا حكاياته عن مصر:

 

عندما كنت أسمع مصريا يقول بثقة وحزم (مصر أم الدنيا) كنت أشعر بامتعاض شديد لم أكن أقتنع بهذه العبارة مطلقا، كنت أعتبرها مجرد ثقة زائدة في النفس بل كنت أعتبرها نرجسية وشوفينية وتعصب مرضي، كيف يجرؤ شعب بأكمله وعلى مدى أجيال أن يعتبر بلده هذه أم الدنيا ؟ هل أطلقها أحدهم هكذا اعتباطا فصدقوها وأصبحت متداولة وشائعة؟ لا بد أن في الامر سرا ! سر لا بد أن تكتشفه بنفسك، وأن تقف عليه وأنت هناك في مصر.

 

كنت تواقا إلى معرفة واكتشاف هذه الخلطة العجيبة التي أعطت للمصريين كل هذه الثقة في النفس، وجعلت كل من زار بلدهم يحمل الشعار نفسه بل ويدافع عنه، كنت سأزورها قبل رحلتي إليها بسنوات، لكن للأسف كل الفرص التي أتيحت لي فشلت، أولها سنة 2011 ، كنت سأحضر معرض كتاب القاهرة لكن وقع ما وقع وألغيت الرحلة، ثم بعدها ببضع سنين قليلة تلقيت دعوة من مهرجان سينمائي فاعتذرت عن الحضور بسبب ظروف عملي، لأحجز بعدها بسنة في رحلة سياحية لتضطرني نفس الظروف لإلغاء الحجز مجددا، لم أستسلم ولم أتخل عن فكرة الزيارة بل تشبثت بها أكثر فجاءت المناسبة من حيث لم أحتسب لتكون زيارتي إلى مصر، وتحديدا إلى القاهرة للنقاهة والسياحة حيث كان الاختيار بينها وبين بلدي الأم المغرب، فاخترتها دون تردد.

 

كنت متخوفا ومتحمسا في الآن نفسه، فهاهو الحلم يتحقق أخيرا، حجزت رحلتي إلى القاهرة على طيران مصر، وكانت بصدق رحلة ممتعة ومريحة للغاية، بل كان طاقم الطائرة في كلتا الرحلتين (الذهاب من امستردام والعودة من القاهرة) خدوما ومتجاوبا والخدمات كانت جد ممتازة، من هنا بدأت رحلة الإنتماء، من الطائرة نفسها.

 

 وأنا مسافر وسط المصريين لم أشعر لبرهة بأنني غريب عنهم، بل كلما عرفوا أنني مغربي ازداد ترحيبهم بي وتضاعف، سواء من طرف المسافرين أو من طرف المضيفات.

 

ما إن تطأ قدماك أرضية مطار القاهرة حتى تذوب وتتلاشى كل تلك التخوفات التي شيدت في لاوعيك، التخوفات من مكان أول مرة تزوره، من شعب أول مرة تلتقي به، من الحلم نفسه.

 

كان الترحيب بابتسامة وبعبارة (مرحبا بك في بلدك الثاني) من طرف كل ضباط الجوازات الذين التقيت بهم في المطار يشعرك بارتياح تام وكأنك فعلا في بلدك، وبمجرد الخروج من باب المطار واستنشاق هواء مصر تتجدد دماءك لتصبح بقدرة قادر مصرية مائة بالمائة، اللهجة المصرية تنطلق لوحدها دون مجهود يذكر، وكل تلك الثقافة المصرية المتراكمة والكامنة بداخلك تخرج بسلاسة وكأنها كانت بزنزانة مغلقة مظلمة تنتظر فقط من يُطلق سراحها، من هنا، من باب المطار تلبسك تدريجيا عبارة (مصر أم الدنيا) وقبل نهاية رحلتك

تجد نفسك أكثر ايمانا بها من المصريين أنفسهم.

 

ليست هناك أية خلطة سحرية أو سر كما اعتقدت، بل ولا يميز مصر كبلد اي شيء اخر عن باقي البلدان، اختلافها يبقى في كونها أم كباقي الأمهات، قدرتها على احتوائك، على معانقتك، على احتضانك، على عدم تركك تشعر بالغربة بين أحضانها، على حنانها الذي يظهر جليا على ملامح أناسها، على طيبوبتها التي تجدها في معاملات أبنائها لك، على دفئها المتدفق في كل ركن من أركانها... هذا ما يجعلها أماًّ، وبلدا متميزا عن غيره.

 

مصر ليست مجرد معمار، وأزقة، وميادين، وثقافات، وفنون، مصر ليست خان الخليلي فقط، ولا مقهى منزوية في زقاق مزدحم، مصر ليست نهر النيل، ولا أهرامات، ولا حضارات، ولا تاريخ ممتد لآلاف الأعوام وكفى، مصر ليست مجرد جدران باردة وأسوار وقلاع... مصر أكبر من هذا كله، مصر بلد ليست ككل البلدان، بلد بروح ومشاعر وأحاسيس، مصر بلد خُلقت واختيرت دون باقي أخواتها حتى تحمل مشعل الأمومة، كي تكون أما، تلك الأم التي لا تفرق بين أهلها وضيوفها.

 

في رحلتي الأولى للقاهرة، وأثناء عودتي كانت تجلس بجانبي في الطائرة امرأة مصرية عجوز وبجانبها سيدة في مقتبل العمر، مصرية أيضا، الأولى كانت في زيارة لابنها المقيم بهولندا والثانية قادمة للالتحاق بزوجها، السيدة العجوز بشكلها ولباسها وملامحها وكلامها البسيط الحلو الجميل ذكرتني بأمهاتنا المغربيات، كنت أشعر وأنا بجانبها أن شيئا ما يشدني اليها شدا، غفوت قليلا، سقطت البطانية التي كنت ألتحف بها بسبب البرد، فشعرت بها تتناولها بلطف وتضعها من جديد على جسدي، أثناء الأكل كانت تحثني على عدم التوقف والتهام كل ما يوجد أمامي بدعوى حاجتي إلى الطاقة، حتى أثناء حوارنا أو محادثتنا كانت تقدم لي بعض النصائح والحِكم وكأن أمي تتحدث، أثناء وصولنا مطار أمستردام وفي أحد ممراته شعرت ببعض الألم في ركبتي، توقفت كي أرتاح، استندت على احدى الأعمدة، فجأة أحسست بيد تربت على كتفي، التفتت لأجد السيدة نفسها تسألني بحنان لن أنساه أبدا (مالك يا ابني؟ فيه حاجة؟ تعبان ولا ايه؟). هذه المرأة هي مصر، هذه المرأة هي تلك الأمومة التي يتغنى بها كل مصري ويشعر بها كل ضيف، هذه المرأة هي ملامح مصر الحقيقية الصادقة، هذه المرأة هي التي تختزل كل ما يمكن أن يقال عن أم الدنيا.

 

لمزيد من أخبار الوفد اضغط هنا