ما حكم "الفُرش" المصنوعة من شعر الخنزير

يسأل الكثير من الناس عن ما حكم الفراجين "الفُرش " التى تصنع من شعر الخنزير ؟ فأجاب الشيخ عطية صقر رحمه الله وقال معلوم أن لحم الخنزير يحرم أكله كما قال تعالى {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } المائدة : 3، وتحريم أكل اللحم يشمل تحريم كل أجزائه من الشحم والكبد والطحال وغيرها، لقوله تعالى {قل لا أجد فيما أوحى إلىَّ محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس } الأنعام :145 ، لأن الضمير فى قوله {فإنه رجس } عائد على لفظ الخنزير لا على لفظ "لحم " لأن تحريم اللحم معلوم بالنص عليه ، فلو عاد الضمير عليه لزم خلو الكلام من فائدة التأسيس ، فوجب عوده إلى كلمة "خنزير" ليفيد الكلام تحريم بقية أجزائه .
ومع تحريم أكل أى جزء منه فهو نجس ، لأن الله وصفه بأنه رجس ، والرجس هو النجس ، وجمهور الفقهاء على نجاسته حيا وميتا بدليل هذه الآية ، وإن كان فى الدليل مناقشة ، فقد يراد بالنجاسة النجاسة الحكمية وهى حرمة الأكل ، وليس النجاسة العينية ، كنجاسة المشركين فى قوله تعالى {إنما المشركون نجس } فالمراد نجاسة الاعتقاد وليس النجاسة العينية ، حيث لم يقل أحد بأن المشرك ينجس . على مثل ما جاء فى قوله {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } فنجاسة الأنصاب والأزلام حكمية وهى الحرمة وليست نجاسة عينية .
ولما كانت الآية لا تدل دلالة قطعية على نجاسة الخنزير نجاسة عينية استدل بعض العلماء على ذلك بالقياس على نجاسة الكلب ، لأنه أسوأ حالا منه حيث لا يجوز الانتفاع به ، لكن هذا الدليل غير مسلَّم ، لأن الحشرات لا ينتفع بها ومع ذلك هى طاهرة .
ومن هنا قال النووى : ليس لنا-أى الشافعية-دليل على نجاسة الخنزير، بل مقتضى المذهب طهارته كالأسد والذئب والفأر، وقال ابن المنذر الإجماع على نجاسة الخنزير، لكن دعوى الإجماع فيها نظر، لأن مالكا يخالف فيه ويقول بطهارته .
نخلص من هذا إلى أن الخنزير يحرم أكله ، أما طهارته فالجمهور على أنه نجس ، والبعض قال إنه طاهر كالحمار والذئب يحرم أكلهما ومع ذلك طاهران .
وكل حيوان لم يذبح ذبحا شرعيا أو كان مما يحرم أكله حتى لو كان طاهرا حال حياته كالحمار فإنه يعتبر "ميتة" ولحم الميتة مع حرمة أكله نجس ، والنجاسة تشمل الجلد والشعر وكل ما يتصل به ، غير أن جلد الميتة يطهر بالدباغ عند الجمهور، إلا جلد الكلب والخنزير فلا يطهره الدباغ ، ومثله الفراء والشعر، ومذهب داود الظاهرى وأبى يوسف أن الدباغ يطهر كل جلود الميتة حتى الكلب والخنزير، لأن الأحاديث الواردة فى ذلك (من هذه الأحاديث ما رواه مسلم " أيما إهاب دبغ فقد طهر" وما
هذا هو حكم شعر الخنزير إذا أخذ بعد موته ، أما إذا أخذ حال حياته فإن حكمه كحكم ميتته ، وميتته نجسة فشعره بالتالى نجس ، وذلك لحديث رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين "ما قطع من حى فهو كميتته " [الإقناع للخطيب ج 1 ص 24] واستثنى العلماء من هذا الحديث شعر وصوف ووبر مأكول اللحم فهى طاهرة ، وعلى هذا لا يجوز استعمال شعر الخنزير إذا قص منه وهو حى فى عمل الفراجين "الفرش " حتى لو غلى هذا الشعر وعقم سواء أخذ حال الحياة أو بعد الموت ، لأن هذه الإجراءات الصحية لا تطهره ، بل هى للتأكيد من خلوه من الأمراض المعدية، والنجاسة باقية، لأنها نجاسة عين لا تطهر بهذه الوسائل مطلقا ، بخلاف الشيء الطاهر الذى لاقته النجاسة فإنه يقال عنه إنه متنجس ، ويطهر بالغسل بالماء على ما هو مفصل فى كتب الفقه .
هذا ، وقد يُقرأ فى بعض الكتب أن شعر الخنزير يجوز الانتفاع به فى خرازة النعال ، لما روى أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا بأس ، كما رواه ابن خويز منداد، فكانت الخرازة به موجودة فى عهد النبى وبعده ، ولم يعلم أنه أنكرها ولا أحد من الأئمة بعده .
لكن جواز خرازة النعال بشعر الخنزير لا ينفى نجاسته، ولذلك لا يجوز المسح على النعل المخروز به ولا الصلاة فيه ، وإن أجاز بعضهم ذلك فهو عند الضرورة "حياة الحيوان الكبرى للدميرى-خنزير برى.