عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

محمد السعيد إدريس يكتب:نجاد وخطاب غير متوقع

محمد السعيد إدريس
محمد السعيد إدريس

الخطاب الهادئ جداً، ظاهرياً، وغير العادي في تجاوزه لبؤر الصراع الساخنة التي توشك أن تنفجر، إن لم يكن داخل إيران نفسها ففي القلب »من مجالها الحيوي« الذي ألقاه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمام الجميعة العامة للأمم المتحدة.

أثار قدراً لا بأس به من الحيرة والتندّر، فالرئيس الإيراني تعمد أن يلقي خطاباً فلسفياً ركز فيه على مكانة ودور إيران في الحضارة العالمية، ودورها التاريخي »أرض المجد والجمال والمعرفة والأخلاق، أرض العلماء والفلاسفة والأدب«، كما تعمد أن يتحدث بافتخار عن شعبه الذي »يؤمن بالسلام والمحبة« والذي يقدّر قيمة السلام والاستقرار، وبالتحديد »السلام المرتكز على التعاون« وليس الإقصاء والاستعلاء وزعم احتكار الحقيقة، كما تعمد أن يتجنّب فيه كل الخطابات السياسية الإيرانية السابقة وكل حديث عن الحرب والقوة والاستعداد للمواجهة، بقدر تجنبه أي حديث عن حرب توشك أن تُشَنّ ضد بلاده، وأساطيل غربية تتحرك أمام شواطئها . وبقدر تجنبه أي إشارة مباشرة إلى الأزمة السورية وموقف إيران، ودورها في هذه الأزمة، وبقدر تجنبه أيضاً أي حديث عن قضية فلسطين التي يتجاهلها العالم عن عمد بتخطيط وتدبير »إسرائيلي« - أمريكي .

سبب الحيرة والتندر في خطاب الرئيس الإيراني هو خلفيات هذا الخطاب، فإما أنه مطمئن كلية إلى أن حديث الحرب الذي يملأ بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الصهيونية الدنيا صخباً عن حتميته وضرورته بل وسرعة تنفيذه، ليس إلا مجرد كلام، وأن الحرب لن تحدث أبداً، وإما أن الحرب باتت مؤكدة، وأن هذا الخطاب الفريد من نوعه للرئيس الإيراني هو جزء أصيل من خطة إيران لإدارة الحرب .

الأرجح أن نجاد أراد بهذا الخطاب أن يكون شاهداً ليس فقط على »إسرائيل« أو على الولايات المتحدة في حالة حدوث العدوان على منشآت بلاده النووية، بل ليكون شاهداً أيضاً على العالم كله، وعلى المنظمة الدولية التي تسمع وترى وتتابع الاستعدادات »الإسرائيلية« لشن هذه الحرب، ونسمع ونرى كل المواجهات السياسية والإعلامية »الإسرائيلية« ضد الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإدارته بسبب تردده في وضع »خط أحمر« واضح وصريح يقول إنه سيكون شريكاً في حرب تشنها »إسرائيل« ضد إيران بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية . فالمشكلة بين الحكومة »الإسرائيلية« وإدارة أوباما باتت متركزة على هذا الوعد الصريح والعلني الذي يريده نتنياهو من أوباما .

الأمم المتحدة تتابع هذا كله ولم تصدر عنها إدانة واحدة ل»إسرائيل« ولا للإدارة الأمريكية ولا للمرشح الرئاسي الجمهوري ميت رومني الذي أعلن تأييده غير المشروط للحرب »الإسرائيلية« التي يجري الترويج لها ضد إيران، لذلك فإن خطاب نجاد تعمد أن يركز على السلام والأمن والاستقرار، وأن يظهر إيران دولة قيم ومبادئ وأخلاق، وأنها لا تضمر شراً بأحد، ولا تريد ولا تسعى إلى الاعتداء على

أحد، ولكنها كانت وربما ستكون، ضحية لعدوان الآخرين، وضحية لنظام سياسي واقتصادي عالمي ظالم .

واستكمالاً لهذا المعنى أراد نجاد أن يقدّم بلاده بوصفها دولة رائدة في الدعوة إلى نظام عالمي أكثر عدلاً سياسياً واقتصادياً يقوم على المساواة بين الدول، ولا يميّز بينها، ولا يكيل بمكيالين، ولا يعرف ازدواجية المعايير، ولا الهيمنة والتهديد بالأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة المتطورة، نظام يكون هدفه إقرار العدالة، وإحقاق الحقوق والحفاظ على كرامة الأمم والشعوب، ونبذ العدوان وازدراء الأديان، بل يسعى إلى دعم الحوار بين الحضارات .

فالخطاب يكاد يرى الأساطيل تتحرك نحو إيران، ويكاد يرى الأمم المتحدة شاهد زور عاجزاً عن القيام بدور يجب أن تقوم به، لذلك هو يوجه رسائل هدفها احتواء الحرب قبل أن تقع، وتبرئة ذمة إيران من أي رد فعل سوف تقوم به ضد كل من أعطوا أنفسهم الحق في العدوان عليها، وهو بهذا يريد أن يضع إيران في موقع الدفاع المشروع عن النفس، فهي، وفقاً لهذا الخطاب، لم تمارس أي تهديد ضد أحد، بل هي في مقدمة دعاة السلام في العالم، لكنها عندما تتعرض للعدوان، سيكون من واجبها المشروع الدفاع عن النفس والرد الحاسم ضد الجميع .

رسائل إيران وصلت سريعاً بدليل كل هذا التوتر الذي ظهر به بنيامين نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يتحدث عن الخط الأحمر الخاص بإيران، ويحذر الولايات المتحدة والعالم من خطر عامل الزمن في إدارة الأزمة مع إيران، هذا التوتر وضع »إسرائيل« في موضع من يمارس التهديد، وجعل إيران ضحية على عكس كل الرسائل الإيرانية السابقة التي جاءت بآثار عكسية تماماً بالنسبة إلى ما كانت تريده إيران .

وصلت الرسائل وفي مقدمتها تلك التي تقول إن الحرب باتت وشيكة .
نقلا عن صحيفة الخليج الاماراتية