رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

احتفالًا بمئويتها: ثورة 1919 في الرواية العربية

بوابة الوفد الإلكترونية

بقلم : معتز محسن عزت


في ظل الاحتفالات القائمة بمئوية ثورة الشعب المصري في العام 1919 نتذكر سويًا تفاصيلها الثرية في تكوين مصر الحديثة حتى و إن كنا نعاني مخاض التميز العسير في وقتنا الراهن.
خرجت الثورة من قمقم الإعداد الدؤوب منذ إحياء الحركة الوطنية المصرية عبر الحزب الوطني بقيادة الزعيمين مصطفى كامل و محمد فريد إلى أن ظهر زئير الشعب الغاضب على نفي زعيمهم سعد زغلول و هو يطالب المحتل بالاستقلال التام.
إنها لحظات خالدة تحتاج إلى من يسجلها و يفندها كما كان يفعل الأجداد عبر الجداريات وأوراق البردي لغة تدوين عصرهم كي لا تنضب ذاكرة الأجيال عبر العصور.
لكل عصر لغة تدوين تتماشى مع متطلبات المرحلة حسب اللوغاريتمات المطلوبة ، من أهم لغات التدوين في السجل البشري ، الأدب الذي يخدم التاريخ للإبقاء عليه و إنقاذه من التزييف و التلاعب وقت كتابته حسب هوى القابع في السلطة.
قال الأديب الكبير ثروت أباظة :
إذا كان المؤرخ يسجل أحداث التاريخ ، فالأديب يسجل روح التاريخ.
من هذا المنطلق يكون الكلام عن ثورة 1919 التي رسخت لنا الهوية المصرية المعاصرة عبر الحياة السياسية القويمة و الحياة البرلمانية السليمة علاوة على بزوغ نجم العميد في السربون مع ميلاد الثورة بحصوله على درجة الدكتوراه عن (مقدمة ابن خلدون) ليكون المنجز ثنائيًا نحو التغيير للأفضل علميًا و سياسيًا.
إن أردنا أن نؤرخ لأول رواية عربية تحمل ملامح القالب الأوروبي فهي (عودة الروح) لتوفيق الحكيم التي تعتبر أول رواية حقيقية تتسم بالنضج أكثر من رواية (زينب) لمحمد حسين هيكل في العام 1913 حيث خرجت بهذا الشكل المميز حسب رؤية الناقد الكبير و شيخ المترجمين العرب د/ محمد عناني و التي كتبت في العام 1927 لكنها نشرت نهائيًا عقب التنقيح و التعديل رسميًا في العام 1933.
تعتبر هذه الرواية أول وثيقة أدبية تلامس روح الحدث الهام كما فعل ألكسندر دوماس في روايته عن سجن الباستيل وقت الثورة الفرنسية سنة 1789 و ليو تولستوي في رائعته الشهيرة (الحرب و السلام) سنة 1869 مؤرخًا عبر مداده الأدبي لمعركة موسكو الشهيرة التي هُزم فيها نابليون من الشعب الروسي سنة 1812.
نجح الحكيم في رصد إرهاصات الثورة عبر عائلة محسن التي هي في الواقع عائلة توفيق الحكيم القاطنة بحي السيدة زينب المنبع الرئيسي للثورة و الذي كتب بدماء أبنائه ملحمة الخلود و الاستقلال كي ترتوي الأرض العطرة لتبقى مصر إلى الأبد.
رصدت الرواية أحداثها بموائمة ناجحة بين أحداثها و أحداث الثورة حيث يجتمع أبناء العائلة الواحدة نحو قبلة الوطن بعد أن فرقتهم قبلة سنية إبنة الجيران وقت هيامهم بها و بجمالها الفتان.
عبرت (عودة الروح) عن واقعية الحكيم في عالم الرواية أكثر من عالم المسرح الذي لجأ فيه للعبثية و الذهنية طامحًا في تقريب المسرح المصري من نظيره الأوروبي تزامنًا مع طفرة المسرح المصري في زمن الثورة.
تأرجحت الثورة بين الصعود و الهبوط في ظل تعنت المحتل البريطاني للجلاء عن أرض كيمت وقت أن صاحت الأفواه بالمقولة الخالدة :
الاستقلال التام أو الموت الزؤام.
مرت العقود على الثورة إلى أن جاء الأديب الكبير عبد الحميد جودة السحار بتحفته الخالدة (الشارع الجديد) مؤرخًا للثورة في أرض الثغر (الإسكندرية الجميلة) ، مركزًا على ركن هام من أركان الثورة في العاصمة الثانية و منبع الثورات منذ العصر الروماني و التي كتبها عقب ثورة يوليو مباشرةً في العام 1952 مذكرًا رجال ثورة يوليو بأن ما وصلوا إليه الآن بفضل ثورة 1919 الفتية.
تعتبر هذه الرواية هي ثاني رواية أجيال في تاريخ الأدب العربي بعد رواية (شجرة البؤس) لعميد الأدب العربي

د/ طه حسين مستعرضًا قصة الثورة عبر الشارع الجديد بالإسكندرية من خلال أسرة مكونة من عدة أجيال روت بدمائها ملحمة الاستقلال التام من العام 1914 وقت إعلان الحماية البريطانية على مصر إلى صدور بيان تنازل الملك فاروق الأول عن العرش يوم 26 يوليو من العام 1952.
إن أردنا أن نؤرخ لنضج فن روايات النهر (روايات الأجيال) في أدبنا العربي فمن الوهلة الأولى نردد بألسنتنا ملحمة (ثلاثية القاهرة) لنجيب محفوظ المكونة من :
بين القصرين 1956.
قصر الشوق 1957.
السكرية 1957.
تعتبر ثلاثية محفوظ أصدق عمل أدبي عبر عن الثورة بتعرجاتها المتباينة ما بين الدموع والضحكات، الصعود والهبوط، الأمل و اليأس من خلال ثلاثة أجيال مختلفة ، كل جيل يحمل في صدره النموذج الأمثل لمصر الجديدة ما بين الشيوعية و الأصولية الإسلامية و الليبرالية والعلمانية.
يعتبر الأدب من العلوم المساعدة للتأريخ ففي حالة المحو الممارس على علم التاريخ ، يهل علينا الأدب ليعيد للتاريخ ذاكرته المفقودة و هذا ما فعله السحار ومحفوظ وقت محاولات من تملقوا ثورة يوليو بالتقليل من شأن ثورة 1919 الملهمة الأساسية للزعيم جمال عبد الناصر من خلال رواية (عودة الروح) لتوفيق الحكيم.
لولا محسن و ثورة 1919 في (عودة الروح) ما كان جمال عبد الناصر و ثورة يوليو هذا ما أراد أن يوضحه محفوظ في أعماله الرمزية التي تصدت لمحاولات تشويه الثورة بأنها ثورة الباشوات و الإقطاعيين من خلال رواية (السمان و الخريف) في العام 1962 عبر (عيسى الدباغ) الذي أزيح من الممارسة السياسية عقب ثورة يوليو لإتهامه بتبعيته للعهد البائد.
كانت نظرات عيسى الدباغ لتمثال سعد زغلول بالإسكندرية هي ومضة معبرة لتذكير الجميع بألا ينسوا من كان له الفضل في أن تصل مصر لجلائها التام عقب حرب السويس في العام 1956.
ظل محفوظ مخلصًا للثورة التي عاصرها في أعوامه الثمانية مكررًا نفس الصيحة في عصر الانفتاح وقت تسيد التيارات المتأسلمة للمشهد السياسي بمصر و تشويههم لرجال ثورة 1919 بأنهم نشروا الفساد و الرذيلة تحت مسمى التقدمية و الليبرالية في رواياته الرمزية أو الفلسفية :
الباقي من الزمن ساعة 1982.
أمام العرش 1983.
حديث الصباح و المساء 1987.
من خلال هذا الاستعراض الموجز لثورة 1919 في الرواية العربية نستطيع أن نؤكد بمدى شموخها حتى و إن طالتها أقلام التشويه و التسفيه لأن في النهاية لا يصح إلا الصحيح لنصل إلى يقين بقائها عبر احتفالنا الآن بمئويتها اليانعة.