الجامع الكبير.. رَمَضَانُ وَالْقُرْآنُ

د. محمد سعيد رسلان

إِنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ أَكْبَرُ مِنَنِ اللهِ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، بَلْ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ كُلِّهَا، وَقَدْ امْتَنَّ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله وعليه وسلم وَعَلَى قَوْمِهِ.

وَذَكَرَ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِى كِتَابِهِ الْعَظِيمِ أَنَّ الْقُرْآنَ رِفْعَةٌ وَسُؤْدَدٌ، وَفَخْرٌ وَفَخَارٌ لِنَبِيِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله وعليه وسلم وَلِهَذِهِ الْأُمَّةِ، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} «الزخرف: 44»: وَإِنَّهُ لَفَخَارٌ وَشَرَفٌ، وَسُؤْدَدٌ وَعِزَّةٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ؛ لِأَنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ هِدَايَةً وَنُورًا.

الْقُرْآنُ كَلَامُ اللهِ حَقِيقَةً, أَنْزَلَهُ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَى قَلْبِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله وعليه وسلم ، وَهُوَ الْمُعْجِزَةُ الْبَاقِيَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله وعليه وسلم, فَلَيْسَ لِنَبِيٍّ مُعْجِزَةٌ بَاقِيَةٌ مِنْ بَعْدِ عَصْرِهِ وَأَوَانِهِ.

شَهْرُ رَمَضَانَ؛ عَظَّمَ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْرَهُ، وَأَبْقَى ذِكْرَهُ لَمَّا أَنْزَلَ فِيهِ الْقُرْآنَ الْمَجِيدَ، بَلْ إِنَّ النَّاظِرَ فِى الْآيَةِ الَّتِى أَمَرَ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيهَا بِصِيَامِهِ؛ يَلْمَحُ أَنَّ هَذَا الصِّيَامَ إِنَّمَا فُرِضَ فِى هَذَا الشَّهْرِ؛ لِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهِ.

فَاللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى-  ذَكَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ فِى رَمَضَانَ {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ} «البَقَرَة: 185».

فَذَكَرَ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نُزُولَ الْقُرْآنِ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ قَالَ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} «البَقَرَة: 185».

فَفَرَضَ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- صِيَامَهُ بَعْدَمَا ذَكَرَ تَخْصِيصَهُ بِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهِ؛ لِذَلِكَ يَقُولُ الْعُلَمَاءُ: شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرُ الْقُرْآنِ، أَنْزَلَ اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِيهِ الْقُرْآنَ، وَسَنَّ فِيهِ النَّبِيُّ صلى الله وعليه وسلم الْقِيامَ، وَفِى الْقِيامِ تِلَاوَةٌ لِكِتَابِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- مَعَ التَّطْوِيلِ فِى ذَلِكَ مَا اسْتَطَاعَ

الْمُسْلمِوُنَ.

كَانَ الْأَئِمَّةُ- رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى- يَجْتَهِدُونَ فِى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَخْتُمُ فِى كُلِّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَرُبَّمَا كَانَ يَخْتُمُ خَتْمَتَيْنِ.

وَأَحْوَالُهُمْ نُسَلِّمُهَا إِلَيْهِمْ وَلَا نَقْتَدِى بِهِمْ فِيهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله وعليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَمْ يَفْقَهْهُ، وَلَكِنَّ الْأَئِمَّةَ لِكَثِيرٍ مِنْهُمْ أَحْوَالٌ، وَآتَى اللهُ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- كَثِيرًا مِنْهُم قُدْرَةً عَلَى مَا لَا يَسْتَطِيعُهُ مَنْ لَيْسَ فِى دَرَجَتِهِم فِى الْعِلْمِ وَالعَمَلِ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ يَنْبَغِى عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِيهِ، وَأَنْ يَتَعَلَّمَ كَيْفَ يَتْلُو كِتَابَ اللهِ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- إِذَا كَانَ لَا يَتْلُو كِتَابَ اللهِ- تَبَارَكَ وَتَعَالَى- تِلَاوَةً صَحِيحَةً، فَيَجْلِسُ إِلَى مَنْ يُحْسِنُ التِّلَاوَةَ؛ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَتَعَلَّمَ كَيْفِيَّةَ التِّلَاوَةِ.

فَإِنْ كَانَ مُتْقِنًا مُحْسِنًا لِلتِّلَاوَةِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَقَلِّ مَرَّةً فِى الشَّهْرِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِى الصَّلَاةِ- يَعْنِى فِى الْقِيامِ- يَسْمَعُهُ مِنَ الْإِمَامِ؛ فَذَلِكَ، وَإِلَّا فَلْيَجْتَهِدْ هُوَ فِى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-.