عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لماذا يضرب الناس العريس والمرشح لرئاسة الجمهورية؟

علي سالم
علي سالم

في أعمق أعماق الشخصية المصرية، قدر من الكراهية للسلطة، بحجم جبال الأرض وباتساع محيطات العالم. وهو ما أراه أمرا طبيعيا بالنسبة لشعب حكمه الأجنبي لآلاف السنين بما يترتب على ذلك من تغييرات في جهازه النفسي تعمق هذه الكراهية وتعطيها قوة الدوام والثبات. الواقع أن الإنسان بوجه عام يكره السلطة في أي مكان وزمان ليس لما يمكن أن تلحقه به من أذى، بل لما تسببه له من خوف.

وقبل أن نبحر بعيدا أقول لك ما قاله فرويد من قبل عن الإنسان في حالته الخام، أي قبل أن تشكل الحضارة قيمه التي يلتزم بها وإن لم يعتز بها في حالات كثيرة وهي أنه يكره العمل، ويميل إلى حرمان الآخرين من ثمار عملهم، ويميل إلى ممارسة الجنس مع الطرف الآخر بغير موافقته. هذه هو الإنسان طبقا للكتالوج أو الهارد ديسك المركب داخله، أقول لك ذلك لكي تبتعد عن اعتناق أية أوهام حول ذلك.
في العمل الدرامي يوجد عادة ما نسميه، المشهد الأقوى (Master scene) لذلك فحصيلتي لك هذا الأسبوع عدة مشاهد من هذا النوع في فيلم العدوان الذي أشاهده وأعيشه كل يوم منذ اللحظة التي أستيقظ فيها صباحا إلى تلك التي أتمكن عندها من النوم. مرشحان اثنان تعرضا للعدوان، الأول هو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، مرشح الإخوان الخارج عنهم أو الذي خرجوا عنه، والسيد عمرو موسى الذي قضى عمره في مناصب رفيعة تؤهله لأن يكون المرشح الأبرز. بعد أن انتهى الدكتور أبو الفتوح من لقائه في إحدى قرى محافظة المنوفية بعد منتصف الليل تقريبا، قطعت عصابة عليه الطريق، أنزلت السائق فنزل هو للدفاع عنه فضربوه بكعوب الأسلحة الآلية فأصيب إصابات استدعت ذهابه إلى المستشفى بعد الاشتباه في إصابته بارتجاج في المخ غير أنه كان محظوظا وخرج من المستشفى في نفس الليلة. وفي ظرف أيام قليلة تمكن الأمن المصري من القبض على أعضاء العصابة الذين اعترفوا أنهم مجرد مجرمين لا شأن لهم بالسياسة. غير أنني عاجز عن التخلص من فكرة أن هذه العصابة كانت تعرف شخصيته والمنصب المرشح له، وعاجز أيضا عن التخلص من فكرة أنهم استمعوا لخطابه كاملا في لقائه بأهل القرية، وأنهم اكتشفوا أن المرشح البارز ليس معه مرافقون، بل سائقه فقط وهو ما يرشحه لأن يكون ضحية ممتازة في طريق ليس آمنا ليلا بحال من الأحوال. لقد شعرنا جميعا بالارتياح لعدم إصابته بارتجاج في المخ، غير أن الواضح لي أنه كان يعاني من (ارتجاج في الفهم)؛ مرشح لرئاسة الجمهورية غير مسلح بسلاح شخصي، يسير في طريق غير آمن ليلا ومعه سائقه فقط؟ هذا هو ما يجب أن يحاسب نفسه عليه. أن تعمل بالسياسة معناه أن تنشغل بالتفكير في الاحتمالات، احتمالات الخطر، كان عليه أن يصطحب عددا من أفراد حملته الانتخابية. هناك قاعدة أساسية عند الشخصية المصرية هي «ربك هو الستار، وربنا يستر» غير أنها لا تتناقض مع حتمية أن نوفر قدرا معقولا من الستر والحماية لأنفسنا.
ننتقل لاعتداء آخر، هذه المرة اصطحب السيد عمرو موسى عددا من معاونيه في حملته الانتخابية إلى مدينة تابعة لمحافظة الشرقية، وكما هو متوقع حدث احتكاك شديد بين معاونيه وبقية المدعوين. وكان أسوأ ما سمعناه في الفضائيات أن المفاوضات تدور الآن من أجل توفير خروج آمن للسيد عمرو موسى. الواقع أنه توجد ظاهرة جديدة في مصر هذه الأيام، أي عدد من المصريين يتجمعون في مكان، يفكرون على الفور أو بعد لحظات في الاعتداء على شخص أو على شيء. حادث الاعتداء الثالث كان في طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي بعد منتصف الليل وكان ضحيته عضو مجلس الشعب عن حزب النور، الذي كان يحمل مائة ألف جنيه استولوا عليها وعلى السيارة بالطبع، غير أنه أخطأ خطأ العمر عندما قال لهم إنه عضو في مجلس الشعب، فكانت النتيجة أنهم انهالوا عليه ضربا فمزقوا وجهه تمزيقا. نحن هنا أمام خطأ سياسي من الطراز الأول، كيف تكون عضوا في حزب النور وتقود سيارتك في الظلام منتهكا تلك القاعدة الشهيرة

التي تقول إن «النهار له عينان» أليس معنى ذلك أنهم يقولون ما لا يفعلون. الخطأ الثاني أن تقول لجماعة من المجرمين إنك عضو في مجلس الشعب، أي أنك تمثل السلطة التي خرجوا عليها، هو بالطبع يتصور أنه بذلك سيحصل على احترامهم وهو تصور ساذج. ونواصل السير في شارع العدوان على المشهورين.
لي صديق مثقف وحساس للغاية وهو أيضا نجم سينمائي مشهور، قال لي إنه عندما كان شابا صغيرا، كان يدور مع أصدقائه في شوارع الحي لافتعال خناقة ثم تكسير الفرح وضرب المدعوين ومنهم العريس نفسه، وعندما سألته لماذا كان يفعل ذلك رد علي بإجابة تبدو غريبة وإن كانت أكثر الإجابات صدقا في التاريخ، قال لي: «الفرح اللي ما يتكسّرش، ما يبقاش فرح».
العدوان، مرتبط بالفرحة، فرحة الآخر، وهو نابع من غريزة العدوان مباشرة وناتج عن الحقد. والالتحاق بالسلطة في أعلى مراكزها يمثل درجة عليا من الفرحة بوصفها أعلى الدرجات في مبدأ اللذة. وفي كتابه «الطوطم والتابوه» لفرويد، أرجوك اقرأ النسخة الإنجليزية، والله ستشكرني، يذكر أن بعض القبائل البدائية، من ضمن تقاليدها أن يقوم شباب القبيلة بضرب الحاكم الجديد ضربا مبرحا في ليلة تنصيبه وأن بعضهم يموت في حفلة الضرب هذه. إنه الحقد، هذا الشخص ستكون له عليك حقوق ستكون عاجزا عن الدفاع عن نفسك في مواجهتها، أي أنك تجعله يدفع مقدما ثمن حكمه لك وتحكّمه فيك. ومن تقاليد حفلات الزفاف عند بعض قبائل السودان أن يقوم المدعوون بضرب العريس بينما هو في طريقه لعروسه. هو الحقد أيضا، هذا العريس في طريقه للاستمتاع بأكبر لذة لا تعرف غيرها الشعوب البدائية، لذة الجنس - المعادلة للذة السلطة - لذلك عليك أن تضربه بأمل أن تكسر فيه شيئا يعطله أو يمنعه من تحقيق الهدف المنشود. غير أن مشوار الحضارة استطاع تحويل حفلة الضرب هذه إلى ما يسمى عند شباب الغرب في أوروبا وأميركا، حفل توديع العزوبية التي يمارسون فيها كل الممنوعات.
السؤال هنا هو، هل القرار السياسي يحدث أحيانا بدافع من الحقد وخاصة عندما يستهدف طرفا يشعر بالفرحة؟.. أنا أقصد الفرحة بالمعنى السياسي، أي قدرته على تحقيق دخل أعلى أو تمتعه بتأثير أقوى، أو أن حقوق الإنسان لديه تحظى باحترام أكبر، أو أن مستوى التعليم لديه أفضل؟
الإجابة: نعم.. ذلك يحدث في السياسة عندما يترك اتخاذ القرار لأشخاص تتحكم في قراراتهم غريزة العدوان، فيصدرون قراراتهم بدافع من الرغبة في إذلال الآخر و«العكننة» عليه بغض النظر عما يسببه ذلك من أضرار وخسارة لشعوبهم.
أنت على وشك أن تسألني: من تقصد وماذا تقصد؟
وأرد عليك: والله أنت عارف، غير أنك تسألني بدافع من الحقد.. حضرتك عاوزني أروح في داهية.

نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط