الوطن البحرينية: الديمقراطية بين الرومانسية والواقع
بعيداً عن المثاليات، البشر غير متكافئين في قدراتهم الذهنية والجسدية والنفسية، غير متساوين في ملكاتهم، في امتلاكهم لمقومات القيادة
وفنونها، في درجات حكمتهم وعلمهم، وإذا تركت لهم شؤون الحكم فلن تجد غير الفوضى. تنبه أفلاطون لذلك في نقده لـ«حكم الشعب» إذ أنَّ النظام الديمقراطي المطلق ينتج عنه الحكم بحسب أهواء الشعب وليس المصلحة العامة لأنهما تتعارضان، ويذهب أفلاطون إلى أنَّ الديمقراطية “نظام سياسي يديره بعض الحمقى”، ويدعو لأن يتولى شؤون إدارة الدولة المختصون، فشؤون الحكم إذا تركت للشعب سيؤدي ذلك لخلل كبير في الدولة، لأنَّ الشعب لا يعرف ما الذي يفعله على وجه الحقيقة. ما الذي تغيَّر من زمان أفلاطون؟ لا يزال البشر متفاوتين بقدراتهم وميولهم وتخصصاتهم، كثير منهم تحكمه العاطفة وقد تعميه عن الرؤية القيادية، وفهم الفواصل بين المصالح الخاصة والعامة والقدرة على السيطرة على ردود الفعل المتسرعة. تفترض الديمقراطية المطلقة وبتبسيطية شديدة أن الجميع متساوون في قدراتهم على الإدارة والتعامل مع التحديات والقيادة، لكن في الواقع هناك المتعلم والجاهل، العقلاني والعاطفي، السليم والمريض، والقول بترك الحكم بالمطلق للشعب يعبِّرعنه جيمس ميل قائلاً إنه يخلق الفوضى السياسية ويعرقل التقدم. النموذج الديمقراطي الذي تقترحه بعض دول الغرب شكليّ ومزخرف تعجبك ألوانه، لكنه فارغ من الداخل وينطوي على مشكلات لا حصر لها. أمريكا التي تقدّم نفسها كراعية للديمقراطية العالمية تشهد سياساتها تناقضاً عجيباً مع الديمقراطية نفسها. من أوجه التناقض الأمريكي تضييقها على الأحزاب الشيوعية غير المرغوب فيها، وإبعاد أعضائه عن المناصب. تاريخ أمريكا زاخر بتشويه صورة الشيوعية وجعلها مرادفاً للإرهاب مثلما فعلت لاحقاً مع الإسلام، بحيث لا تكون له صفة قانونية بل تصويرها خارجة على القانون و«الإنسانية» والنظام الدولي. الخوف يكمن في خطر الشيوعية على النظام الرأسمالي، الذي تستفيد منه نخب اقتصادية. يقول العالم الأمريكي هاري براون: “أمريكا ليست دولة ديمقراطية بل جمهورية يحكمها سراً مجموعة من أصحاب المصالح”. في الوقت نفسه تضغط أمريكا على الدول حسب مصالحها جابرة إياها على القبول بأحزاب إرهابية وفق المقاييس الأمريكية نفسها، لذا أبدت أمريكا دعمها لحزب الله البحريني رغم إدراج الولايات المتحدة لحزب الله في قوائم الإرهاب. وتابعنا كيف تغيرت نغمتها تجاه طالبان، ثم تجاه الإخوان المسلمين بعد بروزهم في “الربيع العربي” في بعض الدول. الديمقراطية التي تتكلم عنها الولايات المتحدة هي “الدين” الجديد الذي ترعاه أمريكا ليرعى بدوره مصالحها، دين يكفّر ويستبيح من لا يقبله، الديمقراطية يتمّ الترويج