رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صحف السبت: بين ولادة دولة مسيحية في السودان وتفجير كنيسة الاقباط

حديات ضخمة تواجه شمال السودان بعد انفصال الجنوب‏!‏

غدا يتم الاستفتاء في جنوب السودان علي حق تقرير المصير‏,‏ وربما لا يأتي مغيب شمس هذا النهار قبل أن نعرف أن

الملايين الأربعة الذين صوتوا في هذا الاستفتاء

قد آثروا الانفصال في دولة مستقلة بنسب تصويت عالية‏,‏ ربما تتجاوز‏90‏ في المائة‏,‏ وأن السودان الواحد لم يعد موجودا مع الأسف علي خريطة القارة الإفريقية‏,‏ باعتباره أكبر دولة إفريقية بعد أن أصبحت هناك دولة في الشمال عاصمتها الخرطوم ودولة في الجنوب عاصمتها جوبا.

تحديات ضخمة تواجه شمال السودان بعد انفصال الجنوب‏!‏

‏وبرغم تزايد الدلائل علي أن الاستفتاء سوف يمر هادئا‏,‏ إلا أن الأستاذ مكرم محمد أحمد يرى في مقاله اليوم بـ"الأهرام" أن هناك تحديات ضخمة ستواجه الشمال بعد انفصال الجنوب، فيقول: "مرور يوم الاستفتاء هادئا لا يعني أن كل شئ قد أصبح علي ما يرام في ظل الصعوبات الضخمة التي تعترض الجانبين بسبب المشكلات المعلقة بينهما دون تسوية مرضية‏,‏ والتي تبدأ من قضية ترسيم الحدود التي لا تزال تواجه مصاعب كبيرة برغم أن الجانبين تمكنا من ترسيم‏80‏ في المائة من هذه الحدود ولكن علي الورق‏,‏ الي قضية الاتفاق علي إطار مستقبلي ينظم تعاونهما المشترك من أجل ضمان استمرار تدفق النفط الي بورسودان وطريقة اقتسام عوائده‏,‏ إضافة الي كثير من المشكلات الأخري المتعلقة بتوزيع أعباء الدين العام وحل مشكلات مواطني الدولتين الذين يرغبون في البقاء في الشمال أو الجنوب ولا يفضلون النزوح لمواطنهما الأصلية‏.‏ ومع أن مشكلة الحدود تتعلق بخمس مناطق في الجنوب‏,‏ إلا أن أخطرها هي مشكلة أبيي‏,‏ حيث تصر بعض القبائل ذات الأصول العربية التي تعمل بالرعي وتتحرك عبر الحدود من الشمال الي الجنوب وراء العشب والكلأ‏,‏ وتوجد في الجنوب سبعة أشهر علي الأقل في كل عام وتعتبر هذه المناطق

المختلف عليها ملكا لها‏..بينما ترفض قبائل الجنوب الاعتراف بهذا الحق وتعتبر كل أراضي أبيي ملكا خاصا لها‏."‏

إنجاز عمر البشير

حازم صاغيّة ينظر إلى الأمر برمته في مقاله اليوم بـ"الحياة" اللندنية، حيث يبدأ بطرح تساؤل حول سلوك الرئيس البشير "الغريب" الـ"متحمّس لانفصال الجنوب"، فيقول: "كيف انقلب البشير الذي أراد، ذات مرّة، تطبيق الشريعة الإسلاميّة بالقوّة على أرواحيّي الجنوب ومسيحيّيه، إلى نصير لحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وللاستفتاء الشعبيّ كواحد من تقنيّات الديموقراطيّة؟. كيف صار الرجل ديموقراطيّاً إلى هذا الحدّ، وكيف صار حسّاساً حيال ظلامات الجماعات ورغباتها، هو الذي خلّف في الجنوب وفي دارفور لوحات ناطقة بقلّة الحساسيّة؟

ويجيب: "الحال أنّ البشير سبق أن أجاب بنفسه عن هذه التساؤلات وما قد يشبهها. قال ما معناه إنّ انفصال الجنوبيّين يتيح المجال لتطبيق الشريعة في الشمال المسلم. إذاً الانفصال مكسب وإنجاز."

ويُستنتج من ذلك كلّه أنّ "الرئيس السودانيّ أحدث قفزة هائلة ينبغي أن تُسجّل له في الفكر السياسيّ العربيّ. فضدّاً على كلّ ما عهدناه وسمعناه من أنّ الوحدات خير مطلق والانفصالات شرّ مطلق، يقول لنا البشير العكس.

استبدال الأدنى بما هو أعلى

لكن من تكلم عن تطبيق الشريعة؟! ومن أين أتى صاغية بهذا الكلام؟!! ربما كان هذا ناتج عن اتسام المسألة السودانية بقدر كبير من التشعب والتعقيد، حسب ما يرى عمر عبد العزيز في "البيان الإماراتية" وذلك استناداً إلى "طبيعة السودان وموقعه الجيوسياسي، ومجاورته لسلسلة من البلدان العربية والإفريقية، واعتقاد صُناع الفوضى الخلاقة أن السودان يمكنه أن يكون لقمة صائغة لمطامع غامضة، تقدم نفسها على طبق الديمقراطية وحقوق الإنسان. تلك الحقوق التي تنتهك بفداحة بالغة من لدن سدنة النظام الدولي الجديد."

أو ربما نسعى من خلال "هذا التعميم إلى تخليص أنفسنا كنخب سياسة عربية، من تحمل مسؤولية التخلي الطوعي عن أدوار كان ينبغي أن نُباشرها منذ وقت طويل، وخاصة تلك النخب العربية القابعة في سدة الحكم في غير بلد عربي. وفي المقابل، لا يمكن تبرئة ساحة دول الجوار الإقليمي بشقيها المتكاملين عربياً وإفريقيا، فالجميع تبارى على خط الفُرجة، والمراقبة السلبية لما يجري في أقاليم السودان مترامية الأطراف، وكأنهم بمنأى عن العواصف المحتملة."

وبهذه المناسبة فإنه ليس عيباً أن نعترف بأخطاء النخب السياسية الشمالية تجاه الجنوبيين، على مدى عقود خلت، ولسنا بصدد تبرير تلك الأخطاء، لكن روح الاستقطاب وتفعيل العصبية الضيقة من قبل نخب جنوبية بذاتها، ينطوي على تعدٍ مؤكد على الجنوب والشمال معاً، بل على السودان التاريخي، وريث العبقرية المشهودة في أصل وجوهر النواميس الضابطة لحياة الناس وسلوكهم.

انفصال الجنوب يوم إفريقي أسود

ولعل أصدق وصف لهذا اليوم جاء في عنوان مقال حسين العودات بـ"البيان الإماراتية" حين قال "انفصال الجنوب يوم إفريقي أسود"!!

نعم... فالسودان تحيط به دول عدة، تشمل: ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وزائير وأوغندا وكينيا وإثيوبيا إضافة إلى مصر، وإذا انفصل جنوب السودان ستكون هذه الدول جميعها (باستثناء مصر وليبيا وتشاد)، دول جوار للجنوب تقع أراضيها على حدوده. ومن الملاحظ أن معظم هؤلاء الجيران سعيد بانفصال الجنوب السوداني، كل لأسبابه... وتأتي مخاطر انفصال جنوب السودان على بلدان إفريقيا جميعها، سواء المجاورة منها أم البعيدة، باعتبار أن هذا الانفصال سابقة سيكون لها ما بعدها، وبداية «مشروعية معترف بها» لإعادة النظر في الحدود بين الدول الإفريقية، واستطراداً «شرعنة» الحروب الأهلية، وصيحات التقسيم والانفصال في جميع بلدان إفريقيا ذات الإثنيات والقبائل واللغات والأديان المتعددة، والتي يسوّغ كل منها شعارات التقسيم أو الانفصال، ومخالفة لإجماع إفريقي تاريخي عمره أكثر من خمسين عاماً، ولعل ما يجري في ساحل العاج ونيجيريا الآن، هو نموذح يصلح لأخذ العبر.

أصلا.. لا دولة عند العرب بل سلطة

لكن الموضوع من وجهة نظر الكاتب عصام نعمان في "الخليج" الاماراتية أكبر وأبعد وأعمق من الأسباب المتعددة التي "يسوقها الكتاب السياسيون وعلماء الاجتماع السياسي في تفسير تفكك العرب، نُظُماً وشعوباً وكيانات.." حيث "يلجأ بعض الكتّاب والمفكرين والسياسيين المحترفين إلى نظرية المؤامرة ليفسروا ما نحن فيه من انقسام وفرقة وشرذمة وتفكك، فيحمّلون الغرب، أوروبا وأمريكا تحديداً، كامل المسؤولية.. الغرب، ولاسيما دوله الكبرى المستعمرة والمهيمنة، مسؤول دونما شك عن بث أسباب الشقاق والفرقة والفتنة في مجتمعاتنا وبين شعوب الأمة، لكن، ألا يلحقنا بعض المسؤولية في ذلك أيضاً؟"

إن الطامة الكبرى تتمثل في "غياب الدولة أو تغييبها في بلادنا العربية. ما عندنا اليوم ليس دولة بالمعنى المتعارف عليه دستورياً وسياسياً وسسيولوجياً. ما لدينا هو مجرد سلطة (أو سلطات) تحتكر أدوات العنف وتفرض على الفئات التي تتسلط عليها قانونها وانظمتها ودقائق احترام أشخاصها وأموالها . السلطة، بهذا المعنى، هي مجرد نظام مصالح بيد الفرد أو الفئة الأقوى . والأقوى كان في الماضي القوي بعسكره، ثم القوي بعسكره وماله، ثم بعسكره وماله وموارد بلاده . وفي الحاضر أصبح الأقوى بهذه العوامل الأربعة زائداً سلطة العلم والمعرفة وما نتج عنها من ثورة المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات .."

بين ولادة دولة مسيحية في السودان وتفجير كنيسة الأقباط

ولأننا ما زلنا مثقلين بأحزان ما جرى في مدينة الاسكندرية، فقد عمد سليم نصار في مقاله بـ"الحياة" اللندنية إلى الربط بين الحدثين الجللين بطريقة ذكية، فقال: "وحول هذا الموضوع، نشر عدد من المحللين مقالات ترجح توقيت عملية كنيسة الإسكندرية بالتزامن مع احتمال قيام دولة مسيحية في جنوب السودان.. ومع ولادة واقع جديد قرب مصر، كثرت التكهنات حول أهداف الأزمة التي بدأت مطلع السنة الماضية في كنيسة مدينة «نجع حمادي» في الصعيد.."

"وادعى بعض مفسري الترابط الزمني بين موعد انفصال جنوب السودان وموعد تفجير كنيسة الإسكندرية، أن المخطط هو واحد. وبحسب تحليلهم فإن افتعال الحادث الدموي قد يحرض عشرة ملايين قبطي على إحياء نزعة قديمة تتلخص بطلب إنشاء دولة مستقلة في أسوان أو أسيوط. وعلى رغم دحض البابا شنودة الثالث لهذه المزاعم، إلا أن المخططين المجهولين يتوقعون ظهور تيار الانفصال إذا عجزت الدولة عن تأمين الحماية للمواطنين الأقباط."

ميلاد جديد لوحدة المصريين

لكن ما حدث في واقع الأمر –بعيدا عن تلك التكهنات المريخية- ببساطة هو ولادة جديدة للوحدة المصرية، أو بتعبير أحمد الجار الله بجريدة "السياسة" الكويتية: "في عيد الميلاد هذا اثبت حكماء مصر.. أن أرض الكنانة رقم صعب جدا لا يمكن قسمته على اثنين مهما كانت الأثمان عالية, بل أن ما شهدناه في قداس الميلاد في كاتدرائية العباسية في قاهرة المعز دق المسمار الأخير في نعش الفتنة التي تحيكها أيدي الغدر الكافرة في الغرف السوداء لضرب اكبر دولة عربية, وترويع كبرى الطوائف المسيحية العربية, خدمة لمخطط قذر هدفه افراغ العالم العربي من المسيحيين, وتدمير جسر التواصل الحضاري بين الاسلام والمسيحية في ابهى صوره, والذي لم تستطع كل المؤامرات والازمات منذ 1400 عام ان تضعفه او تصيبه في مقتل, بل ان النموذج المصري في التعايش بين الدينين كان طوال التاريخ المنهل الذي تستقي منه الامم الاخرى ابجدية الحوار الديني العقلاني المتسامح..

غدا يتم الاستفتاء في جنوب السودان علي حق تقرير المصير‏,‏ وربما لا يأتي مغيب شمس هذا النهار قبل أن نعرف أن الملايين الأربعة الذين صوتوا في هذا الاستفتاء

قد آثروا الانفصال في دولة مستقلة بنسب تصويت عالية‏,‏ ربما تتجاوز‏90‏ في المائة‏,‏ وأن السودان الواحد لم يعد موجودا مع الأسف علي خريطة القارة الإفريقية‏,‏ باعتباره أكبر دولة إفريقية بعد أن أصبحت هناك دولة في الشمال عاصمتها الخرطوم ودولة في الجنوب عاصمتها جوبا.

تحديات ضخمة تواجه شمال السودان بعد انفصال الجنوب‏!‏

‏وبرغم تزايد الدلائل علي أن الاستفتاء سوف يمر هادئا‏,‏ إلا أن الأستاذ مكرم محمد أحمد يرى في مقاله اليوم بـ"الأهرام" أن هناك تحديات ضخمة ستواجه الشمال بعد انفصال الجنوب، فيقول: "مرور يوم الاستفتاء هادئا لا يعني أن كل شئ قد أصبح علي ما يرام في ظل الصعوبات الضخمة التي تعترض الجانبين بسبب المشكلات المعلقة بينهما دون تسوية مرضية‏,‏ والتي تبدأ من قضية ترسيم الحدود التي لا تزال تواجه مصاعب كبيرة برغم أن الجانبين تمكنا من ترسيم‏80‏ في المائة من هذه الحدود ولكن علي الورق‏,‏ الي قضية الاتفاق علي إطار مستقبلي ينظم تعاونهما المشترك من أجل ضمان استمرار تدفق النفط الي بورسودان وطريقة اقتسام عوائده‏,‏ إضافة الي كثير من المشكلات الأخري المتعلقة بتوزيع أعباء الدين العام وحل مشكلات مواطني الدولتين الذين يرغبون في البقاء في الشمال أو الجنوب ولا يفضلون النزوح لمواطنهما الأصلية‏.‏ ومع أن مشكلة الحدود تتعلق بخمس مناطق في الجنوب‏,‏ إلا أن أخطرها هي مشكلة أبيي‏,‏ حيث تصر بعض القبائل ذات الأصول العربية التي تعمل بالرعي وتتحرك عبر الحدود من الشمال الي الجنوب وراء العشب والكلأ‏,‏ وتوجد في الجنوب سبعة أشهر علي الأقل في كل عام وتعتبر هذه المناطق

المختلف عليها ملكا لها‏..بينما ترفض قبائل الجنوب الاعتراف بهذا الحق وتعتبر كل أراضي أبيي ملكا خاصا لها‏."‏

إنجاز عمر البشير

حازم صاغيّة ينظر إلى الأمر برمته في مقاله اليوم بـ"الحياة" اللندنية، حيث يبدأ بطرح تساؤل حول سلوك الرئيس البشير "الغريب" الـ"متحمّس لانفصال الجنوب"، فيقول: "كيف انقلب البشير الذي أراد، ذات مرّة، تطبيق الشريعة الإسلاميّة بالقوّة على أرواحيّي الجنوب ومسيحيّيه، إلى نصير لحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، وللاستفتاء الشعبيّ كواحد من تقنيّات الديموقراطيّة؟. كيف صار الرجل ديموقراطيّاً إلى هذا الحدّ، وكيف صار حسّاساً حيال ظلامات الجماعات ورغباتها، هو الذي خلّف في الجنوب وفي دارفور لوحات ناطقة بقلّة الحساسيّة؟

ويجيب: "الحال أنّ البشير سبق أن أجاب بنفسه عن هذه التساؤلات وما قد يشبهها. قال ما معناه إنّ انفصال الجنوبيّين يتيح المجال لتطبيق الشريعة في الشمال المسلم. إذاً الانفصال مكسب وإنجاز."

ويُستنتج من ذلك كلّه أنّ "الرئيس السودانيّ أحدث قفزة هائلة ينبغي أن تُسجّل له في الفكر السياسيّ العربيّ. فضدّاً على كلّ ما عهدناه وسمعناه من أنّ الوحدات خير مطلق والانفصالات شرّ مطلق، يقول لنا البشير العكس.

استبدال الأدنى بما هو أعلى

لكن من تكلم عن تطبيق الشريعة؟! ومن أين أتى صاغية بهذا الكلام؟!! ربما كان هذا ناتج عن اتسام المسألة السودانية بقدر كبير من التشعب والتعقيد، حسب ما يرى عمر عبد العزيز في "البيان الإماراتية" وذلك استناداً إلى "طبيعة السودان وموقعه الجيوسياسي، ومجاورته لسلسلة من البلدان العربية والإفريقية، واعتقاد صُناع الفوضى الخلاقة أن السودان يمكنه أن يكون لقمة صائغة لمطامع غامضة، تقدم نفسها على طبق الديمقراطية وحقوق الإنسان. تلك الحقوق التي تنتهك بفداحة بالغة من لدن سدنة النظام الدولي الجديد."

أو ربما نسعى من خلال "هذا التعميم إلى تخليص أنفسنا كنخب سياسة عربية، من تحمل مسؤولية التخلي الطوعي عن أدوار كان ينبغي أن نُباشرها منذ وقت طويل، وخاصة تلك النخب العربية القابعة في سدة الحكم في غير بلد عربي. وفي المقابل، لا يمكن تبرئة ساحة دول الجوار الإقليمي بشقيها المتكاملين عربياً وإفريقيا، فالجميع تبارى على خط الفُرجة، والمراقبة السلبية لما يجري في أقاليم السودان مترامية الأطراف، وكأنهم بمنأى عن العواصف المحتملة."

وبهذه المناسبة فإنه ليس عيباً أن نعترف بأخطاء النخب السياسية الشمالية تجاه الجنوبيين، على مدى عقود خلت، ولسنا بصدد تبرير تلك الأخطاء، لكن روح الاستقطاب وتفعيل العصبية الضيقة من قبل نخب جنوبية بذاتها، ينطوي على تعدٍ مؤكد على الجنوب والشمال معاً، بل على السودان التاريخي، وريث العبقرية المشهودة في أصل وجوهر النواميس الضابطة لحياة الناس وسلوكهم.

انفصال الجنوب يوم إفريقي أسود

ولعل أصدق وصف لهذا اليوم جاء في عنوان مقال حسين العودات بـ"البيان الإماراتية" حين قال "انفصال الجنوب يوم إفريقي أسود"!!

نعم... فالسودان تحيط به دول عدة، تشمل: ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وزائير وأوغندا وكينيا وإثيوبيا إضافة إلى مصر، وإذا انفصل جنوب السودان ستكون هذه الدول جميعها (باستثناء مصر وليبيا وتشاد)، دول جوار للجنوب تقع أراضيها على حدوده. ومن الملاحظ أن معظم هؤلاء الجيران سعيد بانفصال الجنوب السوداني، كل لأسبابه... وتأتي مخاطر انفصال جنوب السودان على بلدان إفريقيا جميعها، سواء المجاورة منها أم البعيدة، باعتبار أن هذا الانفصال سابقة سيكون لها ما بعدها، وبداية «مشروعية معترف بها» لإعادة النظر في الحدود بين الدول الإفريقية، واستطراداً «شرعنة» الحروب الأهلية، وصيحات التقسيم والانفصال في جميع بلدان إفريقيا ذات الإثنيات والقبائل واللغات والأديان المتعددة، والتي يسوّغ كل منها شعارات التقسيم أو الانفصال، ومخالفة لإجماع إفريقي تاريخي عمره أكثر من خمسين عاماً، ولعل ما يجري في ساحل العاج ونيجيريا الآن، هو نموذح يصلح لأخذ العبر.

أصلا.. لا دولة عند العرب بل سلطة

لكن الموضوع من وجهة نظر الكاتب عصام نعمان في "الخليج" الاماراتية أكبر وأبعد وأعمق من الأسباب المتعددة التي "يسوقها الكتاب السياسيون وعلماء الاجتماع السياسي في تفسير تفكك العرب، نُظُماً وشعوباً وكيانات.." حيث "يلجأ بعض الكتّاب والمفكرين والسياسيين المحترفين إلى نظرية المؤامرة ليفسروا ما نحن فيه من انقسام وفرقة وشرذمة وتفكك، فيحمّلون الغرب، أوروبا وأمريكا تحديداً، كامل المسؤولية.. الغرب، ولاسيما دوله الكبرى المستعمرة والمهيمنة، مسؤول دونما شك عن بث أسباب الشقاق والفرقة والفتنة في مجتمعاتنا وبين شعوب الأمة، لكن، ألا يلحقنا بعض المسؤولية في ذلك أيضاً؟"

إن الطامة الكبرى تتمثل في "غياب الدولة أو تغييبها في بلادنا العربية. ما عندنا اليوم ليس دولة بالمعنى المتعارف عليه دستورياً وسياسياً وسسيولوجياً. ما لدينا هو مجرد سلطة (أو سلطات) تحتكر أدوات العنف وتفرض على الفئات التي تتسلط عليها قانونها وانظمتها ودقائق احترام أشخاصها وأموالها . السلطة، بهذا المعنى، هي مجرد نظام مصالح بيد الفرد أو الفئة الأقوى . والأقوى كان في الماضي القوي بعسكره، ثم القوي بعسكره وماله، ثم بعسكره وماله وموارد بلاده . وفي الحاضر أصبح الأقوى بهذه العوامل الأربعة زائداً سلطة العلم والمعرفة وما نتج عنها من ثورة المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات .."

بين ولادة دولة مسيحية في السودان وتفجير كنيسة الأقباط

ولأننا ما زلنا مثقلين بأحزان ما جرى في مدينة الاسكندرية، فقد عمد سليم نصار في مقاله بـ"الحياة" اللندنية إلى الربط بين الحدثين الجللين بطريقة ذكية، فقال: "وحول هذا الموضوع، نشر عدد من المحللين مقالات ترجح توقيت عملية كنيسة الإسكندرية بالتزامن مع احتمال قيام دولة مسيحية في جنوب السودان.. ومع ولادة واقع جديد قرب مصر، كثرت التكهنات حول أهداف الأزمة التي بدأت مطلع السنة الماضية في كنيسة مدينة «نجع حمادي» في الصعيد.."

"وادعى بعض مفسري الترابط الزمني بين موعد انفصال جنوب السودان وموعد تفجير كنيسة الإسكندرية، أن المخطط هو واحد. وبحسب تحليلهم فإن افتعال الحادث الدموي قد يحرض عشرة ملايين قبطي على إحياء نزعة قديمة تتلخص بطلب إنشاء دولة مستقلة في أسوان أو أسيوط. وعلى رغم دحض البابا شنودة الثالث لهذه المزاعم، إلا أن المخططين المجهولين يتوقعون ظهور تيار الانفصال إذا عجزت الدولة عن تأمين الحماية للمواطنين الأقباط."

ميلاد جديد لوحدة المصريين

لكن ما حدث في واقع الأمر –بعيدا عن تلك التكهنات المريخية- ببساطة هو ولادة جديدة للوحدة المصرية، أو بتعبير أحمد الجار الله بجريدة "السياسة" الكويتية: "في عيد الميلاد هذا اثبت حكماء مصر.. أن أرض الكنانة رقم صعب جدا لا يمكن قسمته على اثنين مهما كانت الأثمان عالية, بل أن ما شهدناه في قداس الميلاد في كاتدرائية العباسية في قاهرة المعز دق المسمار الأخير في نعش الفتنة التي تحيكها أيدي الغدر الكافرة في الغرف السوداء لضرب اكبر دولة عربية, وترويع كبرى الطوائف المسيحية العربية, خدمة لمخطط قذر هدفه افراغ العالم العربي من المسيحيين, وتدمير جسر التواصل الحضاري بين الاسلام والمسيحية في ابهى صوره, والذي لم تستطع كل المؤامرات والازمات منذ 1400 عام ان تضعفه او تصيبه في مقتل, بل ان النموذج المصري في التعايش بين الدينين كان طوال التاريخ المنهل الذي تستقي منه الامم الاخرى ابجدية الحوار الديني العقلاني المتسامح..