عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السيسي والديمقراطية: رؤية نقدية

في مسعاه لطرح رؤاه التي تعكس برنامجه الرئاسي تطرق المشير عبد الفتاح السيسي لكافة القضايا التي تهم المواطن المصري وسط حالة من الجدل بشأن حدود تلاقي هذه الرؤى مع ما يتطلع إليه المصريون في سعيهم للخروج من الدائرة المغلقة التي يعيشونها بعد ثورة يناير. وفي تقديرنا أنه بغض النظر عن أي تحفظات أبداها البعض، فإن البرنامج في مجمله يمثل الخطوط العريضة التي من المفترض أن يسعى إليها أي مرشح رئاسي وأن الخلاف سيكون في إمكانية تحقيق بنوده أم لا. غير أنه تبقى ملاحظة أنه من خلال حوارات السيسي يبدو أن رؤيته لقضية الديمقراطية ترد عليها بعض الملاحظات التي لا بد من توضيحها إذا أردنا دخولا سليما لمرحلة جديدة تستهدف النهضة على كافة المستويات بعد الثورة.

لعل أولى التحفظات على ما يذهب إليه المشير السيسي بشأن الديمقراطية إشارته في لقائه مع رؤساء التحرير إلى أننا نحتاج أكثر من 25 عاما حتى نصل إلى الديمقراطية الكاملة الموجودة في الخارج. لسنا في وارد الدخول في متاهات النقاش بشأن ماهية الديمقراطية والمقارنة بين وضعها في الدول المتقدمة ولدينا في مصر غير أن الحديث عن 25 عاما يعتبر إيغالا في ترحيل هدف تعميق الديمقراطية على نحو يناقض واقعنا المصري. ويزيد من التساؤلات بشأن نظرة السيسي للديمقراطية قوله أن «الكلام فقط عنها غير مفيد وأنه من المطلوب أن نعيد الثقة للمواطنين في أنفسهم وفي بعضهم البعض».
فإذا اتفقنا على أن الديمقراطية تعتبر في أبسط تعريفاتها وسيلة من وسائل الحكم تقوم على التداول السلمي للسلطة من خلال الإرادة الحرة للمواطنين فإن الحالة المصرية تتسم بوجود مناخ مواتٍ للأخذ بالديمقراطية وقد وصلت إلى مرحلة متقدمة بعد ثورة يناير، وهو ما أكده السيسي نفسه في حواره مع رؤساء التحرير حين قال «إن ثورتي يناير ويونيو كانتا خطوة هائلة جدا في طريق الديمقراطية».. وهو ما بدا، من وجهة نظرنا، في إقبال المصريين على التصويت في الاستفتاء على الدستور في مارس 2011 في مشهد عكس ما يمكن وصفه بالاشتياق لممارسة التصويت الحر.. الأمر الذي غاب عنا على مدى عقود بفعل الأنظمة الشمولية التي أحكمت قبضتها على مقدرات الحكم.
مشكلة هذا الطرح أن البعض قد يحاول استغلاله في ظل الأجواء التي نعيشها في مسعى للتلويح بأننا مقبلون على نظام غير ديمقراطي أو نظام لا يضع الديمقراطية من بين أولوياته، وهو ما قد يتم العمل على الترويج له على خلفية المشابهة التي يسعى أنصار السيسي لتأكيدها بشأن أوجه التماثل بين شخصيته وشخصية عبد الناصر والتي شهدت مصر خلال حكمه نكوصا إن لم يكن اختفاء تاما للديمقراطية.
ويعمق الفهم الذي نراه بشأن التحفظ على رؤية السيسي للديمقراطية إشارته إلى أنه لو خرجت الجماهير ضده فإنه سيمشي على الفور ويتنازل عن الحكم. ومصدر التحفظ على هذا الرأى هو التأكيد على أن ما يمكن وصفه بآلية الحشد للجماهير من أجل عزل الحاكم آلية غير دستورية وأن حالة الرئيس السابق مرسي يجب أن تبقى حالة استثنائية، بعيدا عن

مشاعر الحب والكراهية للرجل، وإنما لأنها لها ظروفها التي أفضنا في ذكرها من قبل. فمن المفترض أن آليات عزل الحاكم في الدول ذات الطبيعة المؤسسية يتم تضمينها في الدستور، ويبقى من الخطورة بمكان تركها لأهواء الشارع على نحو قد يتم معه تزييف إرادة الجماهير لعزل الرئيس تحقيقا لأهداف خاصة لجماعات داخلية أو دول بعينها.
وعلى ذلك فإنه بعيدا عن مشاعر الحب والكراهية كذلك للسيسي، فإنه يجب إذا ما وصل للرئاسة – هو أو غيره – تحصينه من تقلبات الشارع وألا يتم عزله سوى على أسس دستورية، وهي النقطة التي نتمنى لو تجاوزها السيسي في أحاديثه المستقبلية إذا أردنا بحق التأسيس لدولة ديمقراطية. وهنا وما دام الذكر تطرق للدول المتقدمة نشير الى المثال الأمريكي .. ففي ظل حالة من التذمر ضد سياسات الرئيس بوش خلال مراحل الإعداد لغزو العراق عام 2003 خرجت ضده ما هو أقرب إلى ثورة جماهيرية عالمية وليست أمريكية تنديدا بسياساته ورغم ذلك فإن أمر عزله لم يكن واردا وإنما رحل عن الحكم بعد انتخابات حرة نجح فيها الرئيس أوباما.
قد يكون من الصحيح أن مصر في حاجة ماسة لمنح أولوية لقضيتي النهوض بالاقتصاد وتحقيق الأمن، غير أن ذلك لا يعني إغفال قضية الديمقراطية وفي رأينا أن خطة المرحلة المقبلة يجب أن تقوم على قاعدتي الاقتصاد والأمن من ناحية وتعزيز الحريات والديمقراطية من ناحية ثانية، وهى أهداف ليست متناقضة أو متعارضة على حد ما قد يفهم البعض من حديث السيسي.
وإذا كان من الصحيح كذلك أنه يجب عدم استدعاء تجارب ديمقراطية قائمة والسعي لاستنساخها، على حد ما ذهب المشير، باعتبار ان هذه التجارب تعكس ظروف مجتمعات قائمة بذاتها، فإن الديمقراطية لها أوجه عديدة وليس وجها واحدا، بمعنى أن ذلك لا ينفى ضرورة العمل على الأخذ بروح الديمقراطية إذا تعذر ما يراه البعض نقلها بحذافيرها، بهذه الروح يمكن أن ندخل مرحلة جديدة ونحن مطمئنون على رخائنا وحرياتنا.. وذلك هو المأمول بعد معاناة استمرت عقوداً.
[email protected]