رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قصائد من الدهشة والاختفاء بـ "ما لم يأتي أبداً"

بوابة الوفد الإلكترونية

يمكن القول إن إعادة النظر في الرؤى المستقرة وطرح الأسئلة كان الهوس الحقيقي الذي ميز السبعينيين وقادهم إلى خلخلة النموذج وهدمه، فعلى مستوى اللغة تم المزج بين الشريف والمبتذل فيها، وعلى مستوى الإيقاع تم المزج بين الإيقاع الخليلي وموسيقى النثر، وفي البناء تم التخلي عن القصيدة البسيطة لصالح

القصيدة المركبة، كل ذلك في إطار رؤية تنتصر للشفاهي والمسكوت عنه أو المحذوف (لا للعلم به ولكن للخوف منه)!.. طرح السبعينيون بجرأة مفهوم الشعر نفسه في قصائدهم وهدموا ثنائية الشكل والمضمون، إذ صار الشكل معنى في ذاته، ومن هنا كان التوسع في التجريب توسعاً في مواءمة القصيدة لوقتها، وحتى القضايا الكبرى تراجعت في المواءمة بين الجمالي والسياسي لتدخل النص من الأبواب الخلفية.
بالطبع عرف المشهد الشعري قبل ثلاثين عاماً أكثر من عشرين شاعراً لكن العدد الآن تقلص حتى أصبحنا لا نرى حضوراً سوى لستة شعراء هم: حلمي سالم، رفعت سلام، محمد صالح، محمد سليمان، وعبدالمنعم رمضان، وللأسف فإن واحداً أو اثنين من هؤلاء يمكن أيضاً أن يفاجئنا بالتوقف.
ربما نندهش عندما نسمع هذه الأسماء دون أن يرافقها اسم الشاعر الكبير محمد فريد أبوسعدة، وكيف لا وهو شاعر من النوع الذي يترك فيك أثراً وتساؤلات، ويفتح شهيتك أحيانًا، مع كل ما يحتويه شعره من موت وسواد، إلا إنه يظل مكللاً  بالحياة، ولكن سوف تذهب الدهشة عنك عندما تعلم أن الكلمات كانت له هو شخصياً عندما سأله الكاتب الصحفى محمود قرنى عن أهم شعراء السبعينيات، فكانت هذه الكلمات أجابته:
أمس
زارني السهروردي
سلم عليّ بالولاية
وجلس يشرب الشاي
كنا نتحدث عن الموت
فقال: قتلني خليلي ثلاث مرات
سلط عليَّ جوعي مرة
وألقاني من سور القلعة
مرة
وفي الثالثة خنقني بيديه
كنت كلما فعل عاتبته
وأظهرت له المودة
حتى كانت الثالثة فغضبت
ورحت أزوره في المنام مخنوقا
حتى تورمت عيناه
وقتلتْهُ اليقظة!
فى غرفة «313» بمعهد ناصر، جلس الشاعر الكبير ومعه كل رفاق دربه، يساعدونه على الابتسام مثلما كان معهم دائماً، شعر، بعد أن  تعرض منذ عدة أيام إلى جلطة فى المخ تسببت فى توقف النصف الأيسر من جسده وفقدان النطق، ولكن الله سلم وبدأ يتحسن تدريجياً وسوف يبدأ مرحلة العلاج الطبيعى خلال أيام، حيث أكد رفاق دربه ومجموعة من أصدقائه أن حالته فى تحسن مستمر وأن حالته النفسية جيدة وابتسامته لا تفارق وجهه، كما أكدوا أنه توجه إلى بلدته بالمحلة الكبرى مسقط رأسه ليقضى بها فترة النقاهة.
بعد موته
بسنوات
عثرتْ على خطابات غرامية
وصور لأخرى!
هوت على الكرسي مذهولة
وقررت أن تعاقبه!
نعم
عندما يعود في الليل
متأخراً كعادته
لن تلقي له المفتاح
ستتركه ينادي
دون أن تتحرك من فراشها
ستتركه وحيداً
تعيسا كما هي الآن!
محمد فريد أبوسعدة أحد أبرز شعراء جيل السبعينيات وهو من القلائل الذين استمروا فاعلين في هذا المشهد، انتمى لجماعة «كتاب الغد» في بداية السبعينيات، وهي الجماعة التي أسسها الدكتور عبدالمنعم تليمة، وكانت تسعى إلى أن تكون نقابة حقيقية للكتاب والفنانين، أكد من خلال العديد من أحاديثه أن تأثراته الأولى  كانت بصلاح عبدالصبور وأمل دنقل ثم أدونيس ومحمد عفيفي مطر ثم امتلك بعد ذلك صوته الخاص كما تؤكد كل كتاباته.
الأوز
هل غرَّرَ النعناع بالطفل
الذي قد كنتُ
قاد خطاه نحو البركة الخضراء,
فاهتاج الأوزُّ
وراح يعدو زاعقاً خلف الصبي
هل كان ظل الغصن ثعباناً
يباغته
فيفلت منه صندله
ويسقط ثم ينهض مرة أخرى
ارتمى في حِجْر جدته أمام الفرن;
ينهج مثل جرو
زائغ العينين
فانطلقت تتمتم,
ملَّست بيدين
- غار الوشم بين عروقها -
كأن أوزة تدعوه باكية إلى النعناع!
أمجد ريان، حلمي سالم، حسن حنفي، إدوار الخراط، ومحمد إبراهيم أبو سنة، كلها أسماء كبيرة قدمت دراسات نقدية كثيرة تؤكد حجم الشاعر الذى نحن بصدده، وهو ما صرح به الشاعر والناقد عبدالله السمطي عن كونه سيصدر قريباً كتاباً بعنوان: «محمد فريد أبوسعدة في مرايا النقد»، يضم 38 دراسة ومقالة نقدية عن الشاعر الجميل الذي يتعافى الآن من حالته المرضية الطارئة، وسيكون أجمل هدية تقدم له بعد شفائه.
ويضم الكتاب دراسات ومقالات لكل من: زهرة زيراوي، عمرو رضا، وليد منير، سيد الوكيل، عبير سلامة، عبدالحكم العلامي، علاء عبدالهادي، صلاح فضل، محمد سمير عبدالسلام، محمد علي شمس الدين، محمد فكري الجزار، جمال القصاص، فتحي عبدالله، محمد طلبة الغريب، محمد عبدالحافظ ناصف، نبيل فرج، هدى وصفي، هدية الأيوبي، حامد أبوأحمد، علي عبدالفتاح، أحمد سويلم، عادل ضرغام، صبري حافظ، عبدالله السمطي، محمد عبدالمطلب، محمد ناجي، البيومي محمد عوض، صبري قنديل، إبراهيم داود، عبدالناصر العيسوي، أحمد الصغير، السيد نجم.
انظروا!
مثل ساعة معطلة
كان فى لحظة ما
يبدو دقيقاً
ومنضبطاً تماماً
ثم يبدأ فى التراجع مرةً أخرى!
وهكذا
كل يوم
كان يطلُّ على العالم كواحدٍ منه
ثم يعود إلى نفسه وحيداً
ومهملاً
وغير مرغوبٍ فيه
كذلك طبعت الهيئة العامة للكتاب أعماله الشعرية الكاملة، وهو ما علق عليه «أبوسعدة» فى حوار له قائلاً: «القليلون من جيلي من حظي بفرصة إعادة طبع ديوان من دواوينه! بالنسبة لي مثلاً، لم تتم إعادة طبع سوى «جليسٌ لمحتضر» في مكتبة الأسرة، وبالتالي فإّن كثيرين من القراء لم يطالعوا بالقطع دواويني الخمسة الأولى، على سبيل المثال من هم في سن العشرين الآن.. أشعر ببعض السرور لعدة أسباب، منها إتاحة

أعمالي كاملة لهم، وإتاحتها أيضاً أمام النقاد، وإذا كان هذا السرور خاصاً بإتاحة عالمي الشعري لمحبي الشعر، أو لمن يهتمون بتاريخ الأدب، ورصد وتثمين الإنجازات الجمالية للشعراء في زمانهم، فإن سروري الأكبر في الحقيقة أنه يتيح لي، أنا الشاعر، أن أحلق فوق هذه التضاريس بقاراتها الاثنتي عشرة، أتأمل تداخلها وتفارقها، وأراقب مناخاتها وتحولاتها خلال 30 عاماً، تماماً كما كنت أفعل في صباي وأنا أتأمل السحب وتحولاتها المدهشة، كيف تنحل سحابة لها شكل شيخ جليل وتأخذ شيئاً فشيئاً شكل حصان جامح ما يلبث أن يتحول إلى قافلة من الجمال!.
و خرج التمثال
بهياً, كما أراد
بمرور الوقت
راح يكتشف العيوب
و أدرك أن في إمكانه أفضل من ذل
وعن «الحياة» كمصدر أساسي للتجربة الشعرية خارج المختبرات والمعامل الذهنية، يقول «أبوسعدة»: «لأنني آمنت منذ بدأت بمقولة: اكتب عما تعرف، فقد جعلت مصادري تجاربي في الحياة بالمعنى الواسع لا الشخصي فقط، الأمر الذي يجعلني وأنا أحلق أستعيد حياتي، كأني استنقذتها من النسيان كما يقول الكاتب المصري القديم: ما يكتب يخلد، وهذا التحليق والتأمل يجعلني أصير غيري، فلابد من قشر طبقات هذا اللحاء والبدء من جديد، إذا كان لنا أن نكتب مرة أخرى!».
ابتداء من «السفر إلى منابت الأنهار» 1985، حتى «أنا صرت غيري» 2012، أي خلال 28 عاما تقريباً، عاش الشاعر الكبير محمد فريد أبوسعدة تجربة كاملة  مع الشعر و المسرحية ، وأيضا الكتابة للأطفال ، ولد محمد فريد صالح أبوسعدة عام 1946بالمحلة الكبرى، حصل على بكالوريوس الفنون التطبيقية، ودبلوم الدراسات العليا في الصحافة، عمل بمؤسسة دار المعارف وتولى إدارة النشر الثقافي بها قبل تفرغه للكتابة، عضو لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، عضو اتحاد الكتاب المصري، عضو نادي القلم الدولي، عضو أتيليه القاهرة للكتاب والفنانين، عضو دار الأدباء، الشعرية، عمل مخرجاً فنياً لمجلة «المنهل» السعودية ومديراً لتحرير «وكالة الصحف العربية» بالقاهرة ومديراً لتحرير مجلة «رواق عربي» وعضو مجلس تحرير مجلة أدب ونقد، من كتاب جريدة «اليوم السابع» ومجلة «العربي» و«الحياة اللندنية» وغيرها، حصل على جائزة الشعر من وزارة الثقافة عام 1969، حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر، ووسام الامتياز في الفنون والآداب من الطبقة الأولى عام 1993، عضو لجان تحكيم الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة، والهيئة العامة لقصورالثقافة، ودار الأدباء، واتحاد الكتاب، حصل على جائزة اتحاد الكتاب (في المسرح) عن مسرحية «ليلة السهروردي الأخيرة» عام 2003، ترجمت بعض أعماله إلى الفرنسية والإنجليزية، تناول تجربته في الشعر والمسرح كبار النقاد في مصر والعالم العربي، مثل مصر في مهرجانات الشعر العربية والدولية، تم تكريمه في الملتقى الأول لقصيدة النثر العربية ومنح درع اتحاد الكتاب 2010، وفي نفس العام تم تكريمه في العيد الفضي لمؤتمر أدباء مصر ومنح درع هيئة قصور الثقافة، من أعماله الشعرية: «السفرُ إلى منابتِ الأنهار» 1985، «وردة للطواسين» 1988، «الغزالةُ تقفزُ في النار، «وردةُ القيظ»، «ذاكرةُ الوعل» 1996 «طائرُ معلَّقة بشص»، «جليس لمحتضر»، و«سماء على طاولة»، «مكاشفتي لشيخ الوقت»، «سيرة ذاتية لملاك»، «أنا.. صِرْتُ».
ومن الأعمال المسرحية «حيوانات الليل» (ثلاث مسرحيات) الهيئة العامة لقصور الثقافة، «عندما ترتفع الهارمونيكا» (مسرحيتان) الهيئة العامة للكتاب، «ليلة السهروردي الأخيرة» المجلس الأعلى للثقافة.
ومن كتب الأطفال «حصان دقدق» (دار المعارف)، «إلا النور يا مولاي» (كتاب قطر الندى) «كُلني يا مولاي» (كتاب قطر الندى).