قيمة الوقت في حياة الإنسان.. "الأوقاف" تنشر نص خطبة الجمعة القادمة
كشفت وزارة الأوقاف المصرية عبر منصتها الرقمية بموقع بحث جوجل العالمي، عن موضوع خطبة الجمعة الأولى القادمة، والتي تأتي بعنوان: قيمة الوقت في حياة الإنسان.
هدف خطبة الجمعة الأولى
وقالت الأوقاف إن هدف خطبة الجمعة الأولى القادمة هو التوعية بقيمة الوقت وأهمية حسن استغلاله في حياة الإنسان.
نص خطبة الجمعة الأولى
الحمد لله على جميل نعمائه، وأشكره على جليل آلائه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وأصحابه؛ أما بعد:
فإن الوقتَ هو الحياة، وهو النعمةُ التي تمرّ بنا صامتةً فلا نشعر بثقلها إلا حين تمضي؛ دقائقُه لا تعود، وساعاته لا تُستعاد، يمضي كما يمضي النَّفَس، فإن حُفظ نَمَتِ الحياة، وإن أُهمل تسرّبت الأعمار من بين أيدينا.
والعاقل من جعل وقته ميزانًا لأعماله، فلا يبدّده في لغوٍ عابر، ولا يرهُقُه في فراغٍ قاتل، بل يزرعه جهدًا فيحصد أثرًا، ويجعله سُلّمًا يرتقي به نحو غايةٍ نبيلةٍ، فالوقت إذا أُحسن استغلاله بورك في القليل، وإذا أُسيء استخدامه ضاع الكثير.
وما خسر إنسانٌ شيئًا أعظمَ من ساعةٍ مضت بغير نفع، ولا ربح نجاحًا أصدق من لحظةٍ وُظّفت في علمٍ أو عملٍ أو خير، فالوقت روح الإنجاز، وسرّ التفوّق، ومن عرف قيمته أدرك أن الحياة لا تُقاس بطولها، بل بما امتلأت به من أثرٍ وعطاء.
أقسم الله بالزمان لشرفه وعظم شأنه:
وقد أقسم الله تعالى به في مواضعَ كثيرة من كتابه العزيز، تنبيهًا إلى عِظَم شأنه، وإيقاظًا للقلوب الغافلة عن خطر ضياعه، فقد أقسم الله بالزمن في صورٍ متعددة، بالفجر، والضحى، والعصر، والليل والنهار، ولا يُقسِم الله إلا بعظيم، وفي ذلك دلالة واضحة على أن الوقت هو رأس مال الإنسان، وأن الخسارة الحقيقية إنما تكون بتفريطه فيه.
عمر الإنسان رأس ماله وحياته:
أشار القرآن الكريم في كثير من آياته إلى عظم تلك النعمة الأصيلة، فقال جل وعلا: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: ٣٢-٣٤]، فامتن سبحانه في جلائل نعمه بنعمتي الليل والنهار، وهما (الزمن) الذي يمثل عمر الإنسان ورأس ماله وحياته، ويمر به هذا العالَم الكبير من بداية بدايته إلى نهاية نهايته.
وفي مقابل هذا وبخ الله أقواما أضاعوا أعمارهم في غير مرضاة الله، فقال سبحانه: {أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم ما يَتَذَكَّرُ فيه من تذكَّرَ وجاءكم النذير فذُوقُوا فما للظالمين مِنْ نصير} [فاطر: ٣٧].
نص خطبة الجمعة
قال الإمام ابن كثير: أي: "أو ما عشتم في الدنيا أعمارًا لو كنتم ممن ينتفع بالحق لانتفعتم به في مُدَّةِ عُمُرِكُم! قال قتادة: اعْلَمُوا أَنَّ طُولَ العُمُرِ حُجَّة، فنعوذُ بالله أن نُعَيَّر بطول العمر". [تفسير القرآن العظيم].
فجعل سبحانه "التعمير" موجبًا للتذكر والاستبصار، وميدانًا للإيمان والاستذكار، وأقام العُمر الذي هو الزمن يحياه الإنسان: حُجَّةً على الإنسان، كما أقام وجود الرسالة والنَّذارَةِ حُجَّةً عليه أيضًا.
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ» [رواه الترمذي وحسنه].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً» [رواه البخاري].
ومعنى: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ» "أَي: أَزَال الله عذره، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ حينئذٍ إِلَّا الاسْتِغْفَار وَالطَّاعَة والإقبال على الْآخِرَة بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يكون لَهُ على الله عند ذَلِك حجَّة، فالهمزة فِي "أعذر" للسلب، وَحَاصِل الْمَعْنى: أَقَامَ الله عذره فِي تَطْوِيل عمره وتمكينه من الطَّاعَة مُدَّة مديدة" [عمدة القاري].
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ما ندمت على شيء ندامتي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي" [فصل الخطاب].
وقال الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما".
وقال الفُضيل بن عياض لرجل: "كم أتَت عليك؟ قال: ستُّون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة، تسيرُ إلى ربِّك، توشك أن تبلغ، فقال الرَّجل: يا أبا علي، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، قال له الفضيل: تعلمُ ما تقول فقال الرجل: قلت: "إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون"، قال الفضيل: تعلَمُ ما تفسيرُه؟ قال الرَّجل: فسِّره لنا يا أبا علي، قال: مَن عَلِمَ أنَّه عبد الله وأنَّه إليه راجع، فليعلَم بأنَّه موقوفٌ، ومَن عَلم بأنَّه موقوفٌ، فليعلم بأنَّه مسئولٌ، ومَن علم أنَّه مسؤولٌ، فليُعِدَّ للسؤال جواباً، فقال الرجل: فما الحيلة قال: يسيرة، قال: ما هي قال: تُحسنُ فيما بقيَ، يُغفَر لك ما مضى، فإنَّك إن أسأتَ فيما بقي أُخِذتَ بما مضى وما بقي" [حلية الأولياء].
وقال الإمام علي كرم الله وجهه:
حياتك أنفاس تُعَدُّ فَكُلَّما مَضَى *** نَفَسٌ منها انتقصت به جُزْءا
فتُصْبِحُ فِي نَقْصٍ وَتُمْسِي بِمِثْلِهِ *** فما لكَ مِن عَقْلٍ تُحِسُّ بِهِ رُزْءَا
يُمِيتُكَ ما يُحْيِيكَ في كل ساعــة *** ويحدوك حادٍ لا يريد بكَ الهزءا
وقال التابعي الجليل الحسن البصري رضي الله عنه: "يا ابن آدم إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضُك".
وقال أيضًا: "أدركتُ أقوامًا على أوقاتهم أشدَّ منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم".
قال الإمام الغزالي: "وأوقاتُكَ عُمُرُكَ، وَعُمُرُكَ رأس مالك، وعليه تجارَتُكَ، وَبِهِ وُصُولُكَ إِلى نَعِيمِ الأَبَدِ في جوار الله تعالى، فكلُّ نَفَسٍ من أنفاسِكَ جَوْهَرٌ لا قيمةَ لَهُ، إِذْ لَا بَدَلَ لَهُ، فَإِذَا فَاتَ فَلا عَوْدَةَ لَهُ، فلا تَكُنْ كالحمقى الذين يفرحون في كل يوم بزيادة أموالهم مع نُقْصَانِ أعمارهم، فأَي خير في مال يزيد وعمر ينقُصُ؟! فلا تفرح إلا بزيادة علم أو عمل، فإِنَّهُما رفيقاك يصحبانك في القبر حيث يتخلَّف عنك أهلُكَ وولدُكَ وأصدقاؤُكَ" [بداية الهداية للغزالي].
ويقول العارف بالله سيدي ابن عطاء الله السكندري: "لا تنفق أنفاسَكَ في غير طاعة الله، ولا تنظرْ إلى صِغَر النَّفَس بل انظر إلى مقداره، وإلى ما يعطي الله فيه للعبد، فالأنفاس جواهر، وهل رأيت أحدًا يرمي جوهرة على مزبلة؟!" [تاج العروس].
وقال رحمه الله: "ما من نَفَسٍ تُبديه إلا وله قَدَرٌ فيك يُمضِيْه" [الحكم العطائية].
المبادرة بالأعمال الصالحة:
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ» [رواه البيهقي في الشعب، وأبو نعيم في الحلية].
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَادِرُوا بِالْعَمَلِ هِرَمًا نَاغِصًا، أَوْ مَوْتًا خَالِسًا، أَوْ مَرَضًا حَابِسًا، أَوْ تَسْوِيفًا مُؤْيِسًا» [ابن أبي الدنيا في قصر الأمل، والبيهقي في الشعب].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تُنْظَرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفَنِّدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ» [رواه الترمذي].
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: مَنْ أَمْضَى يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ، أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ، أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ، فَقَدْ عَقَّ يَوْمَهُ، وَظَلَمَ نَفْسَهُ. [أدب الدنيا والدين].
أحب الأعمال إلى الله أدومُها وإن قَلّ:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ».[متفق عليه].
من استغلال الإسلام للوقت بأفضل الوسائل حَثُّه على مداومة العمل وإن كان قليلاً، وكراهيته للكثير المنقطع؛ وذلك أن استدامة العمل القليل مع اطراد الزمن وسيره الموصول يجعل من الشيء القليل زِنةّ الجبال من حيث لا يشعر المرء.
أما أن تهيج بالإنسان رغبة سريعة فتدفعه إلى الإكثار والإسراف، ثم تغلب عليه السآمة فينقطع، فهذا ما يكرهه الإسلام.
وهناك أعمال يسيرة في الجهد والوقت ربما يأخذ عليها الإنسان أجورًا كبيرة وعظيمة.
منها: عن عَبْد اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لاَ أَقُولُ الْم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلاَمٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ». [رواه الترمذي].
ومنها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا».[رواه مسلم].
ومنها: عن أبي هُريرة، قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يُصبِحُ: سبحانَ اللهِ العظيم وبحمْدِه، مئةَ مرةٍ، وإذا أمْسَى كذلك، لم يُوَافِ أحدٌ مِن الخلائقِ بمثل ما وافَى». [رواه أبو داود].
وعَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَنْ قَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الجَنَّةِ». [رواه الترمذي].
اللهُمّ بَارِك لأُمّتِي في بُكورِهَا:
عَنْ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا. قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً، أَوْ جَيْشًا، بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ. وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلاً تَاجِرًا، وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ، فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ». [رواه أبو داود والترمذي وقال: حَدِيثُ صَخْرٍ الغَامِدِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَلاَ نَعْرِفُ لِصَخْرٍ الغَامِدِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا الحَدِيثِ].
من محافظة الإسلام على الوقت حَثُّه على التبكير، ورغبتُه في أن يبدأ المسلم أعمال يومه نشيطًا طيبَ النفس مكتملَ العزم، فإن الحرص على الانتفاع من أول اليوم يستتبع الرغبة القوية في ألا يضيع سائره سدى. ونظام الحياة المعتدل يجعل ابتداء اليوم من الفجر ويفترض اليقظة الكاملة قبل طلوع الشمس، ويكره السهر الذي يؤخر صلاة الصبح عن وقتها.
وفي هذا الدعاء النبوي «اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا» تشرق حكمةٌ عظيمة، إذ يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أوّلَ النهار مَهبِطًا للبركة، ومِفْتاحًا للخير، وساعةً تتنزّل فيها معونة الله على الساعين. فالبُكور ليس مجرّدَ وقتٍ يسبق غيره، بل هو زمنٌ تتفتّح فيه الهمم، وتصفو فيه العقول، وتنهض فيه الأرواح بعد طاعة الفجر ونَفَحات السَّحر.
فمن لبّى نداءَ هذا الحديث، وجعل صباحه ميدانًا للسعي، استقام له نهاره، واتّسعت له إنجازاته، وسرى في أعماله روح البركة.
وهكذا يربّي الحديث الأمة على أن تحسن استقبال أيامها، وأن تجعل أولها طاعةً وَجِدًّا، ليكون آخرُها توفيقًا وثمارًا.
بهذا تطيب الحياة، وتنشط النفس طوال اليوم، خلافاً لمن تمضي عليه تلك الأوقات نائماً غافلاً؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ» [متفق عليه].
أوقات الفراغ:
إن العاقل الموفق من يملأ كل لحظة وثانية من حاضر عمره ووقته بفائدة أو عمل صالح، وقد كره سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه إضاعة الزمن فقال: إني لأكره أن أرى أحدكم سَبَهْللًا - أي فارغًا - لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة".[حلية الأولياء]
وقد كتب الدكتور أحمد أمين مقالًا بعنوان (أوقات الفراغ) قال فيه: "ولست أريد من المحافظة على الزمن أن يُـملَأ كُلُّه بالعمل، وأن تكون الحياة كلها جِدًّا ودَأَبًا، لا راحة فيها ولا مرح، وأن تكون عابسةً لا ضحك فيها ولا بِشْر، وإنما أريد ألا تكون أوقاتُ الفراغ طاغيةً على أوقات العمل، وألا تكون أوقات الفراغ هي صميمَ الحياة، وأوقات العمل على حاشيتها وطرفها.
بل أريد أكثر من ذلك: أن تكون أوقاتُ الفراغ خاضعةً لحكم العقل كأوقات العمل، فإننا في العمل نعمل لغاية، فيجب أن تُصرف أوقاتُ الفراغ لغاية كذلك، إما لفائدة صحية كالألعاب الرياضية المشروعة، وإما للذة نفسية كالمطالعات العلمية، وإما لغذاء روحي كالقيام بقراءة القرآن والحديث الشريف ونوافل الطاعات والعبادات.
أما أن تكون الغايةُ هي قتلَ الوقت، فليست غاية مشروعة، لأن الوقت هو الحياة، فقتل الوقت قتل الحياة!
ففي استطاعة أغلب الناس - إذا قويت إرادتهم - أن يقسموا أوقات فراغهم إلى ما ينفعهم صحيًّا، وإلى ما ينفعهم عقليًّا، وإلى ما ينفعهم دينيًّا".[فيض الخاطر].
إنَّ الحياةَ دقائق وثواني:
قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ له * إنَّ الحياةَ دقائقٌ وثواني
فارفعْ لنفسِكَ بعدَ موتِكَ ذكرها * فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثاني
لتعرف قيمة سنة واحدة، اسأل طالبًا رسب في الامتحان!
لتعرف قيمة شهر واحد، اسأل أمًّا وضعت وليدها في الشهر الثامن!
لتعرف قيمة أسبوع واحد، اسأل رئيس تحرير مجلة أسبوعية!
لتعرف قيمة يوم واحد، اسأل عاملًا بالأجر اليومي يرعى مجموعة أطفال!
لتعرف قيمة دقيقة واحدة اسأل شخصًا فاته القطار!
لتعرف قيمة ثانية واحدة، اسأل شخصًا نجا لتوّه من حادث سيارة!
احذر مضيعات الأوقات:
إذا أردت اغتنام أوقاتك فاحذر هذه المضيعات:
١- التسويف: يعني الإكثار من قول سوف أفعل، سوف أصلي، سوف أقضي..الخ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَادِرُوا بِالْعَمَلِ هِرَمًا نَاغِصًا، أَوْ مَوْتًا خَالِسًا، أَوْ مَرَضًا حَابِسًا، أَوْ تَسْوِيفًا مُؤْيِسًا» [ابن أبي الدنيا في قصر الأمل، والبيهقي في الشعب].
وقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْعَدَوِيُّ: "كَتَبَ رَجُلٌ مِنَ الْحُكَمَاءِ إِلَى أَخٍ لَهُ: أَخِي إِيَّاكَ وَتَأْمِيرَ التَّسْوِيفِ عَلَى نَفْسِكَ وَإِمْكَانَهُ مِنْ قَلْبِكَ، فَإِنَّهُ مَحِلُّ الْكَلَالَ، وَمُوئِلُ الْمَلَالَ، وَبِهِ تُقْطَعُ الْآمَالُ، وَبِهِ تَنْقَضِي الْآجَالُ"[قصر الأمل لابن أبي الدنيا].
وقال الحسن البصري: "إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك".
وقال أيضا: "الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدًا فلعلّك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه".
٢- الكسل: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ لِابْنِهِ: إِيَّاكَ وَالْكَسَلَ وَالضَّجَرَ فَإِنَّهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، إِنَّكَ إِنْ كَسِلْتَ لَمْ تُؤَدِّ حَقًّا، وَإِنْ ضَجِرْتَ لَمْ تَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ" [الحلية لأبي نعيم]
وقال ابن الجوزي: "الكسل عن الفضائل بئس الرفيق! وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة، فانتبه واتعب لنفسك، واندم على ما مضى من تفريطك، واجتهد في لحاق الكاملين ما دام في الوقت سعة، واسق غصنك ما دامت فيه رطوبة، واذكر ساعتك التي ضاعت، فكفى بها عظة، ذهبت لذة الكسل فيها، وفاتت مراتب الفضائل" [لفتة الكبد في نصيحة الولد].
وقيل: إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها، إذا أراد الله بعبد خيرا أعانه بالوقت وجعل وقته مساعدا ًله، كلما همت نفسه بالقعود، أقامه الوقت وساعده.
٣- الغفلة: وتعني غيبة الشيء عن البال؛ فالوقت أعز شيء يغار عليه دون أن يقضى بفائدة، فإذا فاته وقت فلا سبيل إلى تداركه، وعن مالك بن أبي فروة: كنا نجالس عبد الله بن أبي الهذيل، فإن جاء إنسان فألقى حديثاً من حديث الناس قال: يا عبد الله! ليس لهذا جلسنا" [الزهد لأحمد بن حنبل].
٤- سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي: فوسائلُ التواصل سيفٌ خفيّ؛ إن لم تُحكم القبضة عليه، قطع من أعمارنا أكثر مما نصل به غيرنا، تُسرَقُ الدقائق في لهوٍ عابرٍ، ثم تمضي الساعاتُ شاهدةً على غفلةٍ لا تعود، فاحفظ وقتك، ولا تجعل هاتفك يقودك.







