رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

أثار فيلم «الست» منذ عرضه نقاشًا محتدمًا تجاوز بكثير حدود الأداء التمثيلي أو الخيارات التقنية، ليصل إلى سؤال ثقافي عميق: كيف يمكن للسينما أن تقترب من أيقونة بحجم أم كلثوم من دون أن تُربك صورتها الراسخة في الوعي الجمعي؟
المشكلة هنا هي أنّ الفن الدرامي، في جوهره، لا يحيا إلا بالتفاصيل الحياتية اليومية والهشاشة الإنسانية، بينما يتعامل الجمهور مع الرمز بوصفه كيانًا شبه مقدّس، مكتملًا، ومحروسًا بصورة معيارية لا تقبل الخدش أو المراجعة. بين هذين القطبين وقف فيلم «الست»، محاولًا إعادة تقديم أيقونة اعتدنا النظر إليها من علٍ، لا من الداخل، ومن هنا انفجر الجدل حوله.
غير أن الدراما السينمائية ليست تأريخاً، ولا بيانًا توثيقيًا، بل فعل تأويل ورؤية. والسؤال الحقيقي ليس: هل اقترب الفيلم من أم كلثوم؟ بل: كيف اقترب؟ هل جاءت التفاصيل لتفكيك العظمة أم لإضاءتها من زاوية جديدة؟ هنا اختار سيناريو أحمد مراد أن يسير في المساحة الأكثر خطورة: مساحة الشك، والتردد، والعادات اليومية. لم يسعَ النص إلى استنساخ الصوت أو إعادة إنتاج الصورة المحفوظة، بل راهن على أن فهم ام كلثوم الإنسانة، التي تنهر العازف المستهتر وتدخن وتحرص على مالها، شرط لفهم عبقريتها، لا انتقاصًا منها.
المقارنة مع أعمال سابقة عن أم كلثوم تكشف الكثير. مسلسل "أم كلثوم" 1999)    )  بطولة صابرين انحاز بوضوح إلى السرد الاحتفائي التمجيدي، فثبّت الصورة الأسطورية وأراح الجمهور. أما «الست» فقد فتح هذا الباب، وتركه مواربًا، مدركًا أن الثمن سيكون باهظًا. هنا لم تعد القضية أداء ممثلة مثل منى زكي بقدر ما صارت جدلا حول اشكالية تمثيل حياة العظماء سنيمائياً.
وهذا النوع من الجدل  ليس حكرًا علينا نحن المصريين، ولا وليدَ ثقافتنا وحدها. فالسينما الأمريكية والأوروبية عرفت العاصفة نفسها كلما اقتربت من أيقوناتها الغنائية والسياسية. أفلام تناولت مارلين مونرو، أو إلفيس بريسلي، أو جوني كاش، كما تلك التي اقتربت من إديث بياف، أو ماريا كالاس، بل وحتى من شخصيات تاريخية غير غنائية مثل غاندي و ونستون تشرشل، واجهت جميعها اتهامات متشابهة: تشويه الصورة، أو اختزال العبقرية، أو خيانة الذاكرة الجمعية. غير أن الفارق الجوهري يكمن في أن تلك الثقافات الغربية تتيح مجالًا أرحب لتعدّد القراءات، وللاعتراف بأن الأسطورة لا تُصان بتلميعها، بل تُفهم على نحو أعمق حين تُقرأ بوصفها نسيجًا من التناقضات، لا قالبًا مصقولًا يخلو من الشقوق.
الخلاصة أن الإشكال ليس في الاقتراب من الأيقونة، بل في سطحية الاقتراب إن وقعت. وبين التمجيد الأعمى والتجريد القاسي مساحة دقيقة تتطلب حساسية فنية عالية، وقد اقترب أحمد مراد في سيناريو «الست» من هذه المساحة بشجاعة محسوبة. فالألفة لا تُنجب الاحتقار بالضرورة، والحياة، حين تُكتب بعمق، قد تمنح الرمز معنى أوسع، لا أقل. 
في هذا الفيلم مايستحق المشاهدة.