خارج المقصورة
بمجرد إعلان البنك المركزى قراره بخفض أسعار الفائدة بنسبة 1% فى إلا جتماع الأخير للجنة السياسة النقدية، حتى بدأ الشارع فى رسم ملامح حلمٍ طال انتظاره بانفراجة قريبة، وانعكاس مباشر على أسعار السلع والخدمات، فى ظل مستهدفات حكومية، وسعيها لخفض متوسط التضخم إلى ذ دون 10%.
هذا القرار لم يكن خطوة منفردة، بل حلقة ضمن مسار ممتد؛ إذ بلغ إجمالى خفض أسعار الفائدة خلال عام 2025 نحو 7.25%، وهو رقم يقترب كثيرًا من إجمالى ما تم رفعه على مدار أربع سنوات كاملة، منذ جائحة كورونا وحتى مطلع عام 2025، وكأن عجلة السياسة النقدية بدأت تدور فى الاتجاه المعاكس، محاولة تصحيح كلفة مرحلة استثنائية دفعت بها البلاد ثمن أزمات متلاحقة.
فى الشارع، لم تكن الأحلام عشوائية، بل استندت إلى مؤشرات يراها المواطنون بوادر أمل حقيقية؛ يأتى فى مقدمتها استقرار أسعار الصرف، ذلك المتغير الأكثر تأثيرًا فى معادلة الأسعار، والمحرك الرئيسى لموجات الغلاء التى عصفت بحياة الناس، وحوّلت تفاصيل المعيشة اليومية إلى عبء ثقيل، لا يرحم.
المتغير خارجى لا يقل أهمية؛ هدوء نسبى يشهده العالم والمنطقة بعد سنوات من الاضطرابات والصراعات، بما يتيح للدول إعادة ترتيب أولوياتها الاقتصادية، والانطلاق مجددًا نحو جذب الاستثمارات، وهو ما ينعكس إيجابًا على الأسواق المحلية، وتوافر العملة الصعبة، وتعزيز الاحتياطى النقدى، فضلًا عن عودة الملاحة البحرية بعد فترات من التعثر بفعل توترات البحر الأحمر وضربات الحوثيين، وقبل ذلك كله انتعاش تحويلات المصريين العاملين بالخارج، كأحد أعمدة الاستقرار المالى.
هذه العوامل مجتمعة، ومعها حزمة الإصلاحات الاقتصادية، جعلت الشارع أكثر تفاؤلًا وطموحًا، بل وأكثر «عَشمًا» فى عودة الأسعار إلى مستويات أعوام مضت، حين كانت كلفة المعيشة أقل وطأة، والحياة أكثر احتمالًا.
الواقع يفرض نفسه فى نهاية المشهد؛ فخفض أسعار الفائدة قد ينجح فى كبح تسارع التضخم وإبطاء وتيرته، لكنه لن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ولن يعيد الأسعار إلى ما كانت عليه فى الماضى. أقصى ما يمكن تحقيقه هو استقرار نسبى، وتراجع فى معدلات الارتفاع، يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التوازن… مرحلة لا تُشبه الماضى، لكنها قد تكون أكثر أمانًا واستدامة للمستقبل.
البورصة فى مقدمة الأدوات الاستثمارية الأكثر استفادة من دورة خفض أسعار الفائدة، إذ يفتح هذا المسار الباب أمام تدفقات استثمارية قوية، ويمنح الأسهم فرصًا حقيقية لتحقيق عوائد استثنائية مقارنة بالأوعية الادخارية التقليدية، التى تفقد بريقها مع كل خفض جديد للفائدة.
< ياسادة.. رغم اكتمال الصورة على الورق، وتوافر العوامل الداعمة على مستوى السياسات والمؤشرات.. يبقى السؤال الجوهرى معلقًا فى أذهان الناس: متى يجنى الشارع فعليًا بثمار هذه الإجراءات؟