حظر سفر أوروبيين إلى واشنطن يشعل مواجهة جديدة بين ترامب وأوروبا حول حرية الإنترنت
في تصعيد سياسي جديد يعكس عمق الخلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول تنظيم الفضاء الرقمي، أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارات بحظر سفر خمسة باحثين وخبراء أوروبيين في مجال التكنولوجيا والإنترنت، من بينهم مفوض أوروبي سابق، ما يمنعهم من دخول الأراضي الأمريكية.
القرار، الذي أثار جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والتقنية، أعاد إلى الواجهة الصراع المتصاعد حول حرية التعبير، وتنظيم المحتوى الرقمي، ونفوذ القوانين الأوروبية خارج حدود القارة العجوز.
وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو برر الخطوة بتصريحات حادة، مؤكدًا أن ما وصفه بـ«محاولات أيديولوجية أوروبية منظمة» استهدفت الضغط على المنصات الأمريكية لمعاقبة آراء لا تتفق مع التوجهات السائدة في أوروبا.
وقال روبيو إن الإدارة الأمريكية «لن تتسامح بعد الآن مع هذه الأفعال الصارخة من الرقابة العابرة للحدود»، في إشارة مباشرة إلى قوانين الاتحاد الأوروبي المنظمة للمحتوى الرقمي، وعلى رأسها قانون الخدمات الرقمية المعروف اختصارًا بـ DSA.
أبرز الأسماء التي شملها القرار هو تييري بريتون، المفوض الأوروبي السابق للسوق الداخلية والخدمات الرقمية، وأحد أبرز مهندسي قانون الخدمات الرقمية. ويُنظر إلى بريتون داخل الأوساط الأمريكية المحافظة باعتباره رمزًا لتشدد الاتحاد الأوروبي تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى، خاصة المنصات الأمريكية مثل إكس وفيسبوك ويوتيوب.
ووفقًا لمسؤولة أمريكية رفيعة، فإن بريتون كان قد لوّح باتخاذ إجراءات قانونية ضد منصة إكس المملوكة لإيلون ماسك، بسبب ما اعتبره تقاعسًا عن مواجهة المحتوى غير القانوني والمعلومات المضللة، وذلك قبل اجتماع مرتقب له مع الرئيس ترامب.
ولم يقتصر الحظر على بريتون وحده، إذ شمل أيضًا عمران أحمد، رئيس مركز مكافحة الكراهية الرقمية، المعروف بدعواته السابقة إلى إقصاء حسابات أمريكية مناهضة للتطعيم من المنصات الرقمية.
وتكمن حساسية هذا الاسم في أن بعض الشخصيات التي استهدفها المركز سابقًا باتت اليوم في مواقع رسمية داخل الإدارة الأمريكية، من بينهم وزير الصحة الحالي روبرت إف. كينيدي جونيور.
كما طالت قرارات الحظر كلير ميلفورد، المرتبطة بمؤشر التضليل العالمي في بريطانيا، وهي منظمة تراقب أداء المنصات الرقمية فيما يتعلق بخطاب الكراهية والمحتوى المضلل.
وانضم إلى القائمة أيضًا اسمان من ألمانيا، آنا-لينا فون هودنبرج وجوزفين بالون من منظمة HateAid، التي تتعاون مع الاتحاد الأوروبي في رصد خطاب الكراهية على الإنترنت ضمن إطار قانون الخدمات الرقمية.
صحيفة نيويورك تايمز ربطت هذه القرارات بالعلاقة الوثيقة بين إدارة ترامب وشركات التكنولوجيا الكبرى، مشيرة إلى أن هذه الشركات ستكون المستفيد الأكبر من إضعاف أو إلغاء القوانين الأوروبية الصارمة التي تفرض عليها التزامات كبيرة في ما يخص الإشراف على المحتوى.
واعتبرت الصحيفة أن حظر السفر يحمل رسالة سياسية واضحة مفادها أن واشنطن لن تقبل بتأثير تشريعات أوروبية على شركات أمريكية تعمل داخل الولايات المتحدة.
في المقابل، قوبلت القرارات بانتقادات حادة من المنظمات الأوروبية المعنية. فقد وصف مؤشر التضليل العالمي الخطوة بأنها «هجوم سلطوي على حرية التعبير وعمل فج من أعمال الرقابة الحكومية». أما ممثلتو منظمة HateAid فاعتبروا أن ما حدث يمثل تصعيدًا غير مسبوق في العلاقة عبر الأطلسي، محذرين من أن الإدارة الأمريكية باتت «تشكل تحديًا مباشرًا للسيادة الأوروبية».
وتكشف هذه الأزمة عن تحول أعمق في طبيعة الصراع بين واشنطن وبروكسل، لم يعد يقتصر على التجارة أو السياسة الخارجية، بل امتد إلى قواعد تنظيم الإنترنت وحدود حرية التعبير في العصر الرقمي. وبينما ترى أوروبا أن قوانين مثل DSA ضرورية لحماية المستخدمين من الكراهية والتضليل، تعتبرها الإدارة الأمريكية الحالية أداة لفرض رقابة غير مقبولة على منصات أمريكية وأصوات سياسية بعينها.
في ظل هذا المشهد المشحون، يبدو أن ملف تنظيم الإنترنت سيظل أحد أكثر الملفات حساسية في العلاقات الأمريكية الأوروبية، مع احتمالات مفتوحة لمزيد من التصعيد، خاصة مع تزايد نفوذ شركات التكنولوجيا وتأثيرها المتنامي على الرأي العام والسياسة في العالم كله.