رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى


 

لماذا خالد جلال؟!.. هذا هو السؤال الذي ظل يراودني منذ أعلنت وزارة الثقافة عن تكريمه على خشبة المسرح القومي، حاولت أن أفتش داخلي عن إجابة واحدة، فوجدت أمامي عشرات الإجابات.
هل لأنه المخرج القدير الذي تخرّج على يديه معظم إن لم يكن كل نجوم الصف الأول اليوم؛ محمد فراج، محمد سلّام، وغيرهما؟، أم لأنه أسّس وأدار مركز الإبداع لسنوات طويلة، وعلّم آلاف الشباب معنى الحرفة قبل الشهرة، ومعنى الفن قبل الظهور؟، أم لأنه قدّم أعمالًا مسرحية حفرت لنفسها مكانًا في ذاكرة الجمهور، بدءًا من "قهوة سادة" وصولًا إلى كل مشروع آمن به واحتضنه؟
وبرغم أن الحظ لم يُسعفني لحضور حفل التكريم، لكن ما وصلني عبر مئات المنشورات، ومئات القصص، ومئات الذكريات التي كتبها طلابه وزملاؤه وأصدقاؤه، كان كافيًا لأدرك شيئًا واضحًا: أن خالد جلال لم تُكرِّمه الوزارة فقط، بل كرّمه الناس قبلها.. فالناس لا تكتب هذا الكم من الحكايات عن موظف، بل عن إنسان ترك علامة، وترك أثرًا، وترك في كل من عرفه قطعة ضوء.
وربما أكثر ما شدّ انتباهي في كل ما رُوي، كانت دموع خالد جلال وهو يقف على خشبة المسرح. دموع رجل لم تُفاجئه لحظة التكريم بقدر ما فاجأه صداها؛ فاجأه أن هذا العمر الطويل الذي قضاه بين الكواليس، بين الخشبات، بين الوجوه الشابّة التي آمن بها كان مرئيًا ومقدّرًا، وأن ما تحمّله صامتًا لم يذهب هباءً.
لم تكن دموع خالد لحظة عابرة، بل دموع عمر كامل قضاه بين الكواليس، بين الممثلين، بين النصوص، وبين الخشبة التي يعرفها كما يعرف اسمه، كان المشهد أكبر من الاحتفال نفسه.. كان لحظة صمتٍ يتأمله فيها من تربّوا على يديه، بينما يشعر هو ربما لأول مرة أن ما زرعه أثمر، وأن المسرح لم يخذل صاحبه يومًا.
ولمن لا يعرف خالد جلال، فالإجابة لا تُختصر في لقب وظيفي، ولا في منصب إداري، ولا في بطاقة توضع أمام اسمه.. الإجابة تكمن في رجل اختار بإرادته أن يكون "مربّيًا" قبل أن يكون مخرجًا.
آمن خالد أن المسرح ليس مجرد خشبة تُضاء ليلتين ثم تُطفأ، بل أرض تُزرع فيها المواهب، وتُروى فيها الأحلام، وينهض منها جيل كامل يعرف كيف يقف أمام الجمهور، وكيف يقف أمام الحياة نفسها.
خالد هو صاحب العيون التي تعرف أن ترى.. يرى في الممثل الشاب سؤالًا بلا جواب، ويمنحه المساحة ليكتشف صوته الحقيقي، فكم من شاب دخل خائفًا، مرتبكًا، غير واثق في نفسه، ثم خرج من بين يديه محاولًا لأول مرة أن يصدق موهبته، لا لأنه حصل على دور، بل لأنه وجد من يسمعه، من يثق فيه، من يقول له: "جرّب وأنا معاك"
هذه التفاصيل الصغيرة التي لا تُكتب غالبًا هي التي صنعت مكانته الحقيقية، بعيدًا عن كراسي الإدارات ومكاتب القرارات، وفي رحلته المهنية، تولّى خالد مسؤوليات كبرى داخل وزارة الثقافة؛ من رئاسته لقطاع شؤون الإنتاج الثقافي، إلى إدارته للبيت الفني للمسرح، إلى إعادة هيكلة لجان القراءة والتخطيط، وفتح الباب لجيل جديد من المسرحيين، واضعًا رؤية تجمع بين الخبرة والشغف، بين التقاليد والجرأة، بين الماضي الذي نحترمه والمستقبل الذي نريده.
ولهذا لم يكن تكريمه مجرد احتفالية رسمية عابرة، فالتكريم كان تتويجًا لمسيرة طويلة من العطاء، في رسالة تقول إن مصر لا تنسى من أنار الطريق، ومن منح الأطفال فرصة الحلم، ومن قدّم للشباب يدًا تُمسك بهم لا لتوجّههم، بل لتدفعهم للأمام.
إن تكريم خالد جلال ليس تكريمًا لماضٍ فقط، بل لبصمة تستمر اليوم، ولأمل يمتد إلى الغد.
تحيّة للأب، وللمُعلّم، وللمُربّي، وللصديق الفنان الجميل خالد جلال، الذي لم يضيء خشبة المسرح فقط، بل أضاء قلوبًا شابة كانت تبحث عمّن يرى بداخلها شرارة حلم، وتحيّة لكل مبدع في هذه الدولة العظيمة، المُمتلئة بالمواهب التي تنتظر فقط يدًا تمتد إليهم، وضوءًا يُسلّط عليهم، كي ينهضوا ويأخذوا مكانهم الذي يستحقونه.