شاهدت وسمعت فيديو فى إحدى وسائل التواصل الاجتماعى بعنوان: Significant political earthquake in America
والمتحدث البروفيسور ريتشارد ديفيد وولف (٨٣ عاماً)، أمريكى من أصل مكسيكي، والأستاذ فى الاقتصاد فى جامعة ماساشيسيوتس من أكبر جامعات أمريكا والعالم، ولاعجابى بهذا الحديث قمت بتحويله إلى نص كتابى وترجمته إلى اللغة العربية، وهو كالتالي:
شكرًا لكم على حضوركم اليوم. ماذا لو أخبرتكم أن أكبر زلزال سياسى فى أمريكا الحديثة لم يحدث فى واشنطن العاصمة، بل فى سباق انتخابى واحد لمنصب العمدة؟، ماذا لو أن هذا الانتخاب الواحد فى مدينة واحدة قد رسم خطوط المعركة لمستقبل البلاد بأكملها؟. إن انتخاب زهران ممدانى عمدةً لمدينة نيويورك يمثّل ما هو أكثر بكثير من مجرد تغيير فى إدارة مجلس البلدية؛ إنه يشكّل واحدة من أعمق التحولات السياسية وأكثرها زلزلة فى التاريخ الحديث للحياة الحضرية الأمريكية. لا يمثّل صعود ممدانى وهو شاب فى عمر ٣٤ عاماً فقط، إلى قيادة أكبر وأشهر مدينة فى البلاد مجرد قصة عن تغيير جيلي، بل إشارة واضحة لا لبس فيها إلى أن التيارات الأيديولوجية داخل الحزب الديمقراطي، بل وداخل المجتمع الأمريكى بأسره، تتجه بقوة نحو اليسار. لم تكن انتصاراته حدثاً معزولاً، بل جاءت نتيجة سنوات من السخط المتراكم، وبمثابة إدانة قوية للطبقة السياسية الراسخة فى المدينة. ذلك الإجماع السياسى والاقتصادى الذى يفضّل الحلول القائمة على السوق والانضباط المالي، والذى هيمن على الحزبين الكبيرين لعقود. لا يمكن المبالغة فى أهمية رمزية وديموغرافية فوز ممداني، فهويته وحدها نسيج من “الأوائل”: إنه أول عمدة مسلم لمدينة نيويورك، وأول عمدة مولود فى إفريقيا، وأول عمدة من أصول جنوب آسيوية. هذا الانتصار ليس مجرد فوز سياسي، بل اختراق تعددى يمثّل واقعا متعدد الثقافات يجسّد ويتحدى فى الوقت نفسه، الصورة المعقدة التى ترى بها أمريكا نفسها. بوصفه ابنا لمهاجرين، تتردد قصة ممدانى فى وجدان الملايين ممن يرون فى المدينة بوابة للفرص. إن فوزه يمنح صوتا قويا لوجه أمريكا الديموغرافى الجديد المتعدد الثقافات، لمجتمع يتشكّل، وبشكل لا رجعة فيه عبر الهجرة والتعددية والمطالبة المستمرة بالعدالة الاجتماعية والاقتصادية. وجوده فى المنصب شهادة على تغيّر وجه السلطة فى الولايات المتحدة، وتمثيل بصرى وسياسى لمستقبل يعتقد الكثيرون أنه قد وصل بالفعل. وبشكل طبيعي، أثار هذا التحول الجذرى سردا معاكسا قويا. فمن منظور محافظ، يُنظر إلى انتخاب ممدانى ليس كتطور ديمقراطي، بل كاستيلاء أيديولوجى متعمّد. وفى هذا المنظور، يُنظر إلى الانتصار باعتباره فوزًا ضخما لأيديولوجية أجنبية ومنافسة داخل قلب الغرب. ويُصوَّر فوز ممدانى كأنه تتويج لاستراتيجية طويلة المدى لفرض أيديولوجيا منافسة على مدينة غربية محورية. فى جوهر الانتصار التاريخى لزهران ممدانى لم تكن النظريات الأيديولوجية المعقّدة، بل أجندة بسيطة ومركّزة وذات صدى قوي: أجندة القدرة على تحمل تكاليف المعيشة. ركزت حملته على الأزمة المركزية التى تخنق حياة سكان نيويورك العاديين: التكلفة الساحقة وغير المحتملة للعيش، كانت رسالة قائمة على العدالة الاقتصادية الخالصة، تواجه مباشرة فجوة الثروة الفاحشة والمتسعة التى باتت سمة للمدن الحديثة. جعل ممدانى صوته صدى لملايين السكان من الطبقة العاملة الذين شعروا طويلا بأنهم متروكون وغير مرئيين، مهمَلين من قبل طبقة سياسية نخبوية أكثر اهتماما بالحوافز للشركات وتطوير العقارات من اهتمامها بالمعاناة اليومية للمواطنين. كان برنامجه استجابة مباشرة لمدينةٍ يجتمع فيها عالمان متناقضان: بنايات فى شكل ناطحات سحاب شاهقة، وطوابير طعام، وأبراج مالية لامعة تُلقى بظلالها على مدارس عامة متهالكة.
كاتب هذه السطور زار مدينة نيويورك أكثر من عشر مرات، وهى أكبر مدينة فى أمريكا، لها طراز وطابع فريد وهى مركز ثقافى ومالى واقتصادى عالمي، وتشتهر بناطحات السحاب مثل مبنى امباير ستيت، والكبارى الطويلة الضخمة، ورموزها الشهيرة مثل تمثال الحرية، وتوجد بها مقار الأمم المتحدة وعدد من البورصات العالمية.
محافظ المنوفية الأسبق