رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

منذ أن خطَّ الإنسان المصري القديم أولى خطوات الحضارة على ضفاف النيل، ومصر تكتب صفحات من المجد الإنساني لا تنتهي. واليوم، وبعد آلاف السنين، تستعيد الدولة المصرية الحديثة وهج تلك الحضارة عبر مشروع يعد الأكبر والأكثر طموحًا في تاريخ المتاحف العالمية: المتحف المصري الكبير؛ ذلك الصرح الفريد الذي لم يعد مجرد منشأة ثقافية، بل مشروعًا وطنيًا واستثماريًا واستراتيجيًا يُعيد لمصر مكانتها كعاصمة الحضارة الإنسانية.
في لحظة تتقاطع فيها الثقافة مع الاقتصاد، والتراث مع التنمية، يبرز المتحف المصري الكبير كأحد أهم الروافد التي تدعم القوة الناعمة للدولة، وتفتح أمام الاقتصاد الوطني آفاقًا جديدة من النمو المتوازن القائم على السياحة الثقافية والصناعات الإبداعية.
إنه ليس مشروعًا عاديًا… بل رؤية دولة تؤمن بأن مَن يملك التاريخ، يملك المستقبل.
أولًا: متحف بحجم مصر.. وحجم الحضارة
لم يكن اختيار موقع المتحف أمام أهرامات الجيزة مصادفة. فالموقع يجمع بين الرمز التاريخي والبعد الجمالي والسياحي، ليصنع تجربة لا مثيل لها في العالم. يمتد المتحف على مساحة تتجاوز 500 ألف متر مربع، تشمل قاعات عرض ضخمة، وساحات مفتوحة، ومجمعًا للترميم يُعد الأكبر في الشرق الأوسط.
وتضم مقتنياته أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تم اختيارها بعناية، منها ما يُعرض لأول مرة في التاريخ. وتأتي مجموعة الملك توت عنخ آمون في مقدمة الكنوز التي تجذب أنظار العالم، إذ تُعرض كاملة لأول مرة في متحف واحد، وفق أحدث تقنيات العرض المتحفي.
ولأن المتحف لا يكتفي بالعرض التقليدي، فقد تم تصميمه بأسلوب يُعيد خلق البيئة التاريخية لكل قطعة، ويمنح الزائر تجربة “غوص في الزمن” لا مجرد زيارة عابرة. الإضاءة، الحركة، الشاشات التفاعلية، الأنظمة الرقمية… كلها عناصر تجعل من المتحف مدينة حضارية متكاملة، وليس مبنى أثريًا جامدًا.
ثانيًا: المتحف كقاطرة اقتصادية عملاقة
1. رافد للسياحة الثقافية
قطاع السياحة هو أحد أعمدة الاقتصاد المصري، والمتحف المصري الكبير يمثل إضافة نوعية لهذا القطاع. إذ تشير التوقعات والدراسات الدولية إلى أن افتتاح المتحف سيؤدي إلى:
زيادة عدد السياح بنسبة تتراوح بين 25% و40% خلال السنوات الثلاث الأولى.
رفع متوسط مدة الإقامة السياحية في القاهرة الكبرى.
تحويل منطقة الأهرامات إلى "قطب سياحي عالمي" يمكنه منافسة باريس وروما ولندن.
وللمرة الأولى، ستصبح زيارة الأهرامات والمتحف المصري الكبير جزءًا من "منطقة سياحية موحّدة" تتضمن خدمات فندقية وترفيهية ومراكز مؤتمرات ومناطق للتسوق، ما يضاعف من الإنفاق السياحي للفرد.

2. آلاف فرص العمل
منذ بدء المشروع وحتى بعد التشغيل الكامل، وفّر المتحف:
آلاف فرص العمل في الإنشاءات والتجهيزات.
وظائف متخصصة في المتاحف والترميم والإرشاد السياحي.
وظائف غير مباشرة مرتبطة بالخدمات والنقل والحرف اليدوية والتنمية المحلية.
وبهذا، يتحول المتحف إلى مشروع تنموي حقيقي ينعكس أثره على المجتمع المحلي والاقتصاد الوطني.
3. جذب استثمارات جديدة
بفضل موقعه الفريد وبنيته المتكاملة، أصبح المتحف مركز جذب للمشروعات الاستثمارية المحيطة به، مثل:
الفنادق العالمية
المراكز التجارية
المشروعات الترفيهية
الخدمات الذكية
وهو ما يعيد تشكيل خريطة الاستثمار في غرب القاهرة بأكملها.
ثالثًا: القوة الناعمة.. حين يتحول التراث إلى تأثير دولي
تمتلك مصر واحدة من أعرق الحضارات الإنسانية، لكنها في العقود الماضية لم تستثمر هذا التراث بالشكل الأمثل. ومع المتحف المصري الكبير، تغيّر المعادلة بالكامل.
1. تعزيز مكانة مصر الدولية
المتحف أصبح حديث المؤسسات الثقافية العالمية، والدول الكبرى، والمنظمات الدولية. ومن اللافت أن تمويله تم بالشراكة مع وكالة التعاون الدولي اليابانية "جايكا"؛ مما يعكس ثقة المجتمع الدولي في استقرار الدولة المصرية وقدرتها على إدارة أكبر المشروعات الحضارية.
2. دبلوماسية التراث
حين تعرض حضارتك بهذه الدقة وهذا الإبداع، فإنك لا تقدم آثارًا فحسب، بل تقدم رسالة قوة واحترام وتاريخ. وهذا يعزز النفوذ الثقافي والسياسي لمصر في:
إفريقيا
الشرق الأوسط
أوروبا
المجتمع الدولي بأكمله
فالقوة الناعمة ليست شعارات… وإنما صناعة موقف عالمي عبر الثقافة.
رابعًا: مركز عالمي للبحث والتعليم والترميم
لأول مرة في تاريخ مصر، يصبح لديها مجمّع متكامل للترميم والمعامل العلمية داخل المتحف نفسه، وهو الأكبر من نوعه في العالم العربي وإفريقيا. هذا المجمع يسمح بـ:
تدريب الأجيال الجديدة من المرممين المصريين والأجانب
إجراء أبحاث أثرية متقدمة
الحفاظ على التراث وفق أعلى المعايير العالمية
تنظيم مؤتمرات دولية متخصصة في علوم المتاحف
وبذلك يتحول المتحف من مجرد “مخزن حضاري” إلى جامعة حضارية تنتج المعرفة وتصدر الخبرة للعالم كله.
خامسًا: رؤية القيادة السياسية.. حين يتحول التاريخ إلى اقتصاد
نجاح مشروع بهذا الحجم لم يكن ليتم لولا وجود قيادة سياسية تمتلك رؤية عميقة لمعنى التنمية الشاملة. فقد أدركت الدولة أن الحضارة ليست مادة للعرض السياحي فقط، بل هي:
منبع لهوية الأمة ،مصدر لقوة الدولة ،رافعة اقتصادية
عنصر أساسي من عناصر الأمن القومي الثقافي
لذلك، جاء المتحف المصري الكبير تجسيدًا حقيقيًا لسياسة تعمل على تحويل التاريخ إلى مورد اقتصادي مستدام، وإلى جسر يربط بين الماضي العظيم والمستقبل المزدهر.
مصر… حيث يتجدد التاريخ
المتحف المصري الكبير ليس مبنى.. بل رؤية.
ليس مشروعًا.. بل رسالة.
ليس مجرد صرح أثري.. بل نقطة تحول في العلاقة بين الحضارة والتنمية.
إنه إعلان بأن مصر — التي منحت العالم أول دولة وأول جيش وأول كتابة — تعود لتتبوأ مكانتها المستحقة على خريطة الثقافة العالمية.
وهي بهذا الصرح تؤكد أن الاستثمار في الحضارة هو الاستثمار الأكثر ربحًا، وأن الهوية المصرية ليست صفحة من الماضي، بل هي وقود المستقبل.
وبينما يترقب العالم افتتاحه الكامل، تستعد مصر لمرحلة جديدة من النمو الثقافي والاقتصادي، تثبت من خلالها أن الحضارة حين تُدار بعقل الدولة وبحكمة القيادة، يمكن أن تصبح أقوى أدوات التنمية ورافعتها الكبرى.