رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل تؤثر نتائج الانتخابات التركية علي مصر ؟

هذا السؤال ليس مطروحا فقط في مصر ، ولكنه مطروح أيضا في أمريكا وأوروبا وحتي اليابان ، حيث فوجئت بصحفي ياباني من صحيفة أساهي شيمبيون يسألني نفس السؤال ضمن حوار حول الأوضاع في مصر بعد الثورة (!) .

أما السبب فيرجع لربط الكثيرين في الغرب والشرق بين التجربة التركية في حكم الاسلاميين المعتدلين (حزب العدالة والتنمية) ، وبين ما يعتقدون أنه قادم لمصر عبر حكم محتمل لجماعة الاخوان المسلمين لمصر في ضوء الحقائق التي تؤكد أنهم الأكثر تنظيما والأكثر قدرة علي حشد الأصوات وبالتالي الفوز بما يعادل 150 مقعدا أو ثلث مقاعد البرلمان المقبل علي الأقل ما يؤهلهم للمشاركة في اي حكومة مقبلة .

واقع الأمر أن هناك تشابها كبيرا بين التجربة التركية والمصرية يدفع في هذا الاتجاه للسؤال عن مدي تأثير نتائج انتخابات تركيا الأخيرة التي اكتسح فيها حزب العدالة وفاز بـ  326 مقعدا من 550 مقعد في البرلمان (أي قرابة 59% من المقاعد و50% من اصوات الناخبين)، وبين الحالة المصرية التي يعتقد أنها ستشهد في انتخابات سبتمبر المقبل حضورا قويا للتيار الاسلامي خصوصا جماعة الاخوان المسلمين والاسلاميين المستقلين .

كما أن هناك تشابها في المعارك الدائرة حول تعديل الدستور ، ففي تركيا يتبني حزب العدالة تعديلا شاملا في الدستور ويتطلع للقيام بهذا ، برغم أنه لم ينجح في الفوز بثلثي مقاعد البرلمان ( 367) التي كانت ستسمح له بتعديل الدستور وحده ، وفي مصر هناك صراع مماثل حول تعديل الدستور ، والكل مجمع علي تغييره ولكن هناك من يريد تعديله أولا قبل الانتخابات ومن يري تعديله بعدها .

وهناك تشابه ثالث بين انتخابات تركيا ومصر ، برز في الصراع بين التيارات الاسلامية والوطنية من جهة والأخري العلمانية أو ذات الأجندة الليبرالية الغربية من جهة أخري ، وهو صراع يتشابه بصورة ما في مصر مع ما يجري في تركيا من صراع من أنصار العلمانية الاتاتوركية وبين الاسلاميين والوطنيين ، حيث فريق يعادي التيار الاسلامي ويعتبره فزاعة وفريقا ينظر الي ما قدمه الاسلاميون في تركيا من تجربة إيجابية جعلت الاقتصاد التركي رقم 12 في العالم .

الحنين الي الدين ودورات التاريخ

والحقيقة أنه من غير المتصور أن يكون فوز الاسلاميين المعتدلين في تركيا له تأثير مباشر علي فوز الاسلاميين في مصر – حسبما قلت للصحفي الياباني – لسبب بسيط يتعلق بحركة ودورات التاريخ ، والحنين العام من قبل الشعوب الاسلامية عموما – في مصر وتركيا وغيرهما – للإحتكام للشريعة الاسلامية بمعناها الروحي والشمولي كمعيار للعدالة والمساواة الحقة – لا مجرد الحدود – فهذا مؤشر علي قدوم الاسلاميين عموما في الدول العربية سواء فاز العدالة التركي أم لم يفز .

فقد جربت الشعوب الاسلامية كل الأنظمة السياسية الفاشلة الوافدة من الشيوعية الي الاشتراكية (الشرقية أو الغربية) والليبرالية والمختلطة ، وكانت النتيجة واحدة وهي الاستبداد والفساد في نهاية المطاف حتي لو كانت سنوات حكم كل الرؤساء الأولي اقل بطشا ، ولم يجر تجربة الحكم الاسلامي أو حكم الشريعة ، ربما لأن الاسلام لم يحدد نمطا محددا للحكم ووضع مبادئ عامة ، وفشلت الأجيال المتلاحقة (بفعل البطش والقهر) في استنباط تجربة إسلامية حقيقية .

وكانت التجربة التركية – مع الفوارق – هي التجربة الوحيدة التي سارت علي خطي الاسلام وخضعت للتجربة والاختبار ونجحت رغم الحصار والقيود من القوي العلمانية في تحقيق إنتصارات سياسية واقتصادية جعلت تركيا دولة محورية تلعب دورا كبيرا في محيطها وتقود الشرق الأوسط ، وفي الوقت نفسه جعلت الاقتصاد التركي ينمو بسرعة الصاروخ .

والمشترك الايجابي هنا بين التجربتين التركية والمصرية هو أن الأتراك في حزب العدالة حققوا هذا التقدم بدون أن تفلح محاولات التخويف من أحكام الشريعة وما يثار عن قطع اليد والرجم في تعويق مسيرتهم ، لأن الهدف كان تحقيق الشريعة كقواعد عامة للعدالة وتنمية المجتمع الذي هو شعار حزبهم ، أي بمعناها السليم وهو العدالة والحرية والمساواة ومنع الظلم ، لا مجرد الحدود التي هي 10% من الشريعة ومقيدة بالظروف الاقتصادية وشروط الرفاهية لا ظروف الفقر الحالية التي تُرفع فيها الحدود ولا تطبق .

نقاط الالتقاء والتأثير

قد تكون نقاط التأثير المهمة لنتائج الانتخابات التركية علي مصر هي : أنها ستعزز فكرة وجود تجربة اسلامية معتدلة ناجحة يمكن الاستفادة منها والبناء عليها وفقا للمناخ السياسي المصري ، كما أنها تضع قيودا علي الاسلاميين أنفسهم في : عدم التشدد والانفتاح علي كل القوي السياسية والتعايش مع الجميع برغم الخلافات السياسية أو الدينية .

من علامات هذه التجربة الاسلامية المتواضعة مثلا عدم تفاخر أردوغان علي خصومه الخاسرين وقوله رغم فوزه بالأغلبية في الانتخابات ، أنه سوف يحافظ على تواضعه وسيضم الجميع في تركيا الي حضنه ، وسوف يقوم بزيارات لكل من قيادات الأحزاب المعارضة للتوصل إلى تقاربات سياسية تهدف لدفع حركة التنمية والتطوير في الشارع التركي .

ومن علاماتها هذه التجربة الخارجية قول رئيس الوزراء التركي رجب طيب

أردوغان في أول كلمة رسمية له بعد إعلان نتائج الانتخابات المجلس وفوزه أن (هذا النصر هو نصر لاسطنبول والقدس لأنقرة والشام لازمير وبيروت لبورصا وبغداد ليداربكر ورام الله وجنين وبيت لحم وغزة والبوسنة وجميع الدول القريبة منا) في إشارة قوية علي العزم علي لعب تركيا دور قوي في السياسة الخارجية كما هي الداخلية ، وعزم حكومته على مواصلة سياستها في التقارب مع دول الجوار ، وهي سياسة تتشابه الي حد ما مع فكرة الوحدة الاسلامية التي تتبناها القوي الاسلامية في مصر .

وربما من نقاط الالتقاء هنا بين التجربتين هو تشابه الاوضاع في تركيا ومصر من حيث المكان والموقع الجغرافي والتأثير في المنطقة ، ما يولد حاجة الي إعتدال من نوع خاص في المواقف السياسية يجمع الخصوم بقدر ما يفرقهم ، كي يتغلب علي الضغوط الخارجية التي ترغب في تطويع البلدين لخدمة المصالح الغربية واسرائيل .

ولا ننسي هنا أن حجم الانزعاج الاسرائيلي مما يجري في تركيا من تفوق لحزب العدالة الذي قص أجنحة النفوذ الصهيوني في المنطقة ، هو نفسه - وربما أكبر منه بحكم الجوار - مما سيجري في أنتخابات مصر المقبلة والمؤشرات التي تقول ان الاسلاميين عموما سيحصدون نتائج إيجابية فيها .

نقاط الخلاف

بيد أن هذا لا يمنع من القول أن هناك نقاطا بين التجربة المصرية والتركية أبرزها إختلاف البيئة السياسية التاريخية ، فتركيا عاشت في ظل ديمقراطية وحرية وانتخابات حرة حتي في أحلك أوقات الانقلابات العسكرية وكان يجري منع الاسلاميين من المنبع بمنع أحزابهم أو الانقلاب العسكري عليهم ، أما في مصر فكان يجري المنع في صناديق الانتخابات بالتزوير أو الاعتقال ولم تكن هناك أي انتخابات حرة بالمعني الحقيقي للكلمة .

من نقاط الخلاف الأخري أن الأتراك لا يزالون يعانون من صراع بين الاسلاميون والجيش والقوي العلمانية المتنفذة المسيطرة علي القضاء وعلي التعليم ، وهناك مارثون مستمر بين الطرفين في هذا الصدد ، في حين أن الجيش في مصر ليس علمانيا ولا مسيس بدرجة كبيرة ، وأظهرت الثورة الشعبية في 25 يناير ومساندته لها حتي الآن أنه يقف علي مسافة واحدة من كل القوي السياسية بما فيها القوي الاسلامية ولا يعاديها ولا ينظر لها كفزاعة كما كان يفعل العسكريون الأتراك أو النظام السابق في مصر ، وهذه نقطة لصالح مصر تتميز فيها عن تركيا.

أيضا لا يمكن إغفال أن هناك خلافا بين التجربة المصرية والتجربة التركية فيما يتعلق بالانفتاح علي الغرب ، فتركيا تتطلع للإنضمام للاتحاد الأوروبي برغم رد الفعل الأوروبي الرافض لفوز حزب العدالة ذي التوجه الاسلامي واعتبار هذا مؤشر لمزيد من الابتعاد التركي عن الاتحاد الأوروبي ، في حين أن مصر تؤكد صراحة في كل دساتيرها علي أنها دولة إسلامية وتنتمي للجامعة العربية .

فوز الاسلاميين الاتراك سوف تكون له آثار معنوية بلا شك علي الحالة المصرية ، وتعطي دفعه للاسلاميين في مصر لمحاولة تنفيذ تجربة مشابهة لتركيا بدرجة ما ، فضلا عن أنه يخفف حالة القلق لدي معارضي التيار الاسلامي من صعود الاسلاميين بسبب نظافة ونجاح التجربة التركية ، ولكن لن يكون له آثار عضوية علي هذه الانتخابات لقناعة المصريين أنهم يخوضون تجربة ثورة جديدة وحالة فريدة وتجربة أولي في مجال تطبيق الديمقراطية تختلف عن اي تجارب أخري .