أوراق مسافرة
مع استمرار نزيف دماء الأشقاء فى السودان، تنطلق التأويلات حول وجود أياد غربية وأخرى إقليمية تحرك هذا الصراع بين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، وبين الجيش السودانى بقيادة عبدالفتاح البرهان، أياد تغذى الصراع بالمال والسلاح لمصالحتها؟، ويتفجر من هذه التأويلات سؤال ملح: كيف يمكن لمصر أو لدول الجوار الإفريقى التى يهمها مصلحة شعب السودان التدخل الحكيم لحقن الدماء وإقرار الأمن والسلام وإنهاء هذا الوجع الجنوبى لمصر؟
قراءة المشهد تشير إلى وقوف عدة جهات خلف قوات الدعم السريع «مائة ألف مقاتل من الميليشيات»، وأنها تحظى بدعم من دول التحالف العسكرى الذى تقوده السعودية فى اليمن ضد الحوثيين، بجانب دعم من إسرائيل، الجيش الليبى بقيادة حفتر، إضافة إلى عناصر من «فاغنر» الروسية وميليشيات إثيوبية، فيما الجيش السودانى النظامى المفترض أنه القوة الرسمية الحامية للبلاد لا يجد كثيرًا «اللهم مصر اللهم مصر» ممن يدعمه لإقرار أمن واستقرار السودان ومنع المزيد من تقسيم أراضيهم وتفتيت ثرواتها، مصر تدرك أن توزيع القوى الداخلية بين جيش نظامى وقوى موازية لن يثمر إلا الاقتتال الدموى، الفرقة، الخراب والتشتت ونهب ثروات السودان.
ومن المؤكد أن مصر لم تكن أبدًا طرفًا فى أى صراع حدث فى السودان، وهذا ليس دفاعًا عن موقفها المسئول دومًا تجاه الأشقاء، ولكن لأن الواقع يقول إنه ليس من مصلحتها السياسية ولا الأمنية تفجير الصراعات ولا تغذيتها فى السودان، ولا فى أى بلد عربى أو إفريقى، لأن أمن المنطقة وأمن الإقليم واحد، وذلك على النقيض من دول أخرى غربية أو حتى إقليمية ترى مصلحتها فى تغذية هذه الصراعات، سواء لمصالح ذاتية، أو حتى التحرك بالوكالة عن قوى أخرى.
والشىء بالشىء يذكر، فمصر نفسها كادت تتعرض لمثل هذا التوزع والانقسام والصراع الداخلى، وذلك عندما أراد حكم الإخوان خلق قوى عسكرية موازية للجيش النظامى من ميليشيات مسلحة تتمركز فى سيناء تحت رايات سوداء تتوشح زورًا بالإسلام، وتصدى الجيش ومن خلفه الشعب الواعى لهذا المخطط المدفوع من قوى خارجية تهدف لتفتيت وتخريب مصر، ونجح الجيش وقيادته الوطنية فى إحباط المخطط وإنقاذ مصر من مصير رهيب، أذكر هذا لأكشف أن رفض مصر لوجود أى قوى موازية للجيش النظامى فى السودان هو عين العقل والحكمة لحماية شعب السودان ومقدراته وثرواته، ولكن للأسف تواجدت تلك القوى الأخرى الموازية لجيش السودان، وللأسف تم تكوينها بأيدى النظام السودانى السابق.
الرئيس السابق عمر البشير هو من أوجد قوات الدعم السريع من ميليشيات «الجنجويد» لمساعدته فى القضاء على التمرد ضده فى دارفور، وفى عام 2013 حاول البشير إضفاء السمة الرسمية على الميليشيا بإعادة تنظيمها كقوة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطنى، وأسند إليها مهمة مكافحة التمرد وحماية الحدود من عمليات التهريب، وتم اختيار محمد حمدان دقلوا «حميدتى» أول قائد لها، غير أن نفوذ هذه الميليشيا توسع فى دارفور والخرطوم ومناطق أخرى نتيجة حصولها على تسليح ثقيل وموارد مالية من الداخل والخارج حتى أصبحت قوة عسكرية نافذة تناطح الجيش النظامى نفسه، وأصبح اسمها «قوات الدعم السريع»، وارتكبت مذابح بشعة فى دارفور لحساب نظام البشير.
غير أن الإطاحة بالبشير عام 2019 كانت بداية لتحول جديد لهذه الميليشيا، حيث تولّى قائدها حميدتى منصب نائب رئيس المجلس السيادى الانتقالى، وأصبحت قوات الدعم السريع جزءًا من السلطة الحاكمة، ولم تكتف هذه الميليشيا بما حصلت عليه من مكاسب ومكانة عسكرية لها ذراع سياسية فى البلاد، وأرادت أن تكون لها القيادة فى الجيش حال دمجها فى الجيش النظامى، غير أن النظام الجديد والجيش النظامى رفضا هذا المطلب، وحاولا دمجها تحت عباءة الجيش النظامى نفسه، وهو الأمر الذى أدى إلى تفجر الصراع بينها وبين الجيش النظامى وحدوث مواجهات مفتوحة تطورت فى أبريل 2023 إلى حرب واسعة شملت العديد من الأقاليم السودانية، وتمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مناطق عديدة فى السودان منها ولايات دارفور وجنوب كردفان، وتلقت دعمًا فى المال والتسليح مقابل مشاركة وحدات منها فى التحالف العسكرى الذى تقوده السعودية فى اليمن ضد الحوثيين والعمل على تأمين الحدود.. وللحديث بقية.
[email protected]