أون لاين
لم يكن افتتاح المتحف المصرى الكبير حدثًا أثريًا فحسب، بل إعلانًا صريحًا عن ميلاد عصر جديد تلتقى فيه التكنولوجيا بالحضارة، وتتحول فيه الاتصالات إلى جسر يصل الماضى بالمستقبل، ففى الأول من نوفمبر، لم تفتح مصر أبواب أكبر متحف أثرى فى العالم فقط، بل فتحت نافذة رقمية على حضارةٍ تعود آلاف السنين، لتقدم للعالم أول متحف ذكى فى الشرق الأوسط.
هذا الافتتاح لم يكن مجرد إنجاز معمارى أو سياحى، بل رمز لتحول فكرى ورقمى تشهده الدولة المصرية بقيادة وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، التى حولت هذا الصرح إلى تجربة تفاعلية غير مسبوقة، فشبكات الإنترنت فائق السرعة التى تغطى المتحف، والكاميرات الذكية، وشاشات العرض المزودة بالذكاء الاصطناعى، ليست تفاصيل تقنية عابرة، بل أدوات لإعادة تقديم التاريخ بلغة يفهمها الجيل الجديد.
المتحف المصرى الكبير هو دليل على أن مصر لا تنظر إلى التكنولوجيا بوصفها ترفًا أو وسيلة خدمة فقط، بل ركيزة للهوية والتنوير، فحين يستطيع الزائر أن يتفاعل مع القطع الأثرية من خلال تطبيق ذكى أو رمز QR، وأن يرى مشاهد من حياة المصريين القدماء عبر الواقع المعزز، يصبح التاريخ تجربة حية وليست مجرد معروضات جامدة.
إن ما أنجزته وزارة الاتصالات داخل المتحف يعكس رؤية أعمق من مجرد دعم فنى، إنها فلسفة الدولة فى دمج التكنولوجيا بالثقافة، لتتحول الرقمنة إلى أداة لحماية التراث وتوسيع دائرة الوعى، فالتحول الرقمى هنا لا يهدف إلى تسهيل الإجراءات فقط، بل إلى إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان وتاريخه.
حتى الطوابع التذكارية التى أصدرتها هيئة البريد المصرى بمناسبة الافتتاح، جاءت لتجسد هذا الدمج بين الماضى والمستقبل، إذ حملت رموزًا رقمية تتيح الوصول إلى محتوى تفاعلى عن المتحف وتاريخه، إنها رسالة تقول إن كل تفصيلة فى هذا الحدث تنطق بلغة العصر دون أن تفقد أصالتها.
وفى الوقت الذى تسعى فيه دول كثيرة إلى رقمنة خدماتها الإدارية أو التجارية، اختارت مصر أن تبدأ من رقمنة حضارتها، فى خطوة تؤكد أن من يمتلك ذاكرة قوية يمتلك مستقبلًا أكثر استقرارًا، فالمتحف المصرى الكبير ليس فقط منارة للآثار، بل منصة تعليمية رقمية، تتيح للزوار والباحثين حول العالم التفاعل مع التراث المصرى بأسلوب حديث ومتجدد.
إن ما تقدمه مصر اليوم من خلال هذا المشروع هو نموذج لدولة تفكر بعين على التاريخ وأخرى على التكنولوجيا، فبينما تعتز بجذورها، تُدرك أن البقاء للأمم التى تتقن لغة المستقبل.
المتحف المصرى الكبير هو شاهد حى على أن مصر القديمة التى علمت العالم الكتابة، قادرة اليوم أن تعلمه كيف تُدار الحضارات بلغة البيانات والذكاء الاصطناعى، إنها حضارة رقمية تُثبت أن مصر لا تنقل ماضيها إلى المستقبل فحسب، بل تصنع مستقبلها من قلب ماضيها.