صرخات مكتومة تملأ صدور أمهات مصر جراء الأعباء الثقيلة التي ألقاها السيد محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني على صدور أطفالهن في المدارس لتكتم أنفاسهم، وتهدّ طاقاتهم، وتمحو البراءة داخلهم، حتى فاض بهن الكيل وأطلقن الاستغاثات بكل من لديه سلطة لإنقاذ أبنائهن.
فبين الواجبات اليومية والآداءات الصفية والتقييمات الأسبوعية، يضيع التعليم، ويذهب شرح المواد الدراسية هباءً، وينعدم التحصيل الدراسي، وتنخفض القدرات العقلية، ويتحول الطفل إلى مجرد آلة اعتادت على الاستيقاظ صباح كل يوم للذهاب إلى المدرسة قهرًا، فيقضي يومه الدراسي عابسًا في تصحيح الواجب وكتابة الأداءات الصفية وحل التقييم، ثم يعود إلى البيت ليستكمل يومه في حل الواجبات اليومية المكثفة وحفظ إجابات التقييمات الأسبوعية، حتى يختطفه النوم عنوة.
إنّ قتل روح الإبداع لدى الطفل وإجباره على أداء مهام روتينية ثقيلة لا طائل منها سوى استنزافه بدنيًا ونفسيًا وفكريًا، لا يمكن أبدًا أن يبني إنسانًا سويًا قادرًا على التعلم المستمر والعطاء ومواكبة التطورات التي تصبو إليها الدولة المصرية تحت رئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ولا يتماشى إطلاقًا مع أهداف رؤية مصر 2030، بل أعادنا إلى عصر الحفظ والتلقين وفترة ما قبل إطلاق نظام التعليم الجديد 2.0.
ليت الحال عاد كما كان قبل التطوير بل اختفت أي عوامل لجذب الطلاب للمدارس، لم يعد هناك مجالا للأنشطة المدرسية المختلفة، ولم يتبق وقتًا لتطبيق طرق التدريس الحديثة، أو حتى الشرح التقليدي، ولم تعد تهتم وزارة التربية والتعليم بتنمية مهارات الطلاب، واكتشاف مواهبهم، وتقويمهم نفسيًا واجتماعيًا، بل أصبح شغلها الشاغل هو الالتزام بتعبئة الأوراق المطلوبة فحسب.
أما المناهج الدراسية، فلم نر تطويرًا كما قيل وإنما إلغاء للمناهج الجديدة التي أعدت لنظام التعليم الجديد 2.0، وإعادة القديمة مع بعض التعديلات ما أفسد فلسفة التطوير القائمة على الفهم وربط المواد الدراسية بمحور واحد، والاعتماد على قدرات الإبداع لدى الطلاب، ورجعنا خطوات إلى الخلف لنلقن الطلاب المعلومة التي يؤدي الامتحانات فيها ليصبح هدفه الأساسي هو جمع الدرجات وليس التحصيل الدراسي والمعرفة الحقيقية.
تكاتلت أصوات مختلف أطراف العملية التعليمية من طلاب ومعلمين وأولياء أمور وخبراء تربويين، ليرفضوا تحويل التعليم إلى مجرد حبر على ورق، تتمثل في الواجبات والتقييمات والآداءات الصفية والاختبارات وكم هائل من المعلومات المضغوطة داخل غلافي كتاب، دون تحصيل دراسي أو تنمية لمهارات وقدرات الطلاب، لكن أصمت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني آذانها لشكاوى الشعب، وأنكرت مشكلاتهم، وتمادت في ما توصفه بأنه "إنجارات هائلة".
هنا وجب علينا أن نقول كلمة حق دون رياء في محاولة لإعادة خطة تطوير التعليم لمسارها الطبيعي، بعيدًا على الإكراه والتعنت وتجاهل جموع الشعب حتى الخبراء منهم. علينا أن ننبه المسئولين بأن العملية التعليمية تعود إلى الخلف، وإن لم نحترس في أسرع وقت سنكون قد حفرنا بأيدينا نفقًا ندفن فيه أحلامنا في رؤية جيل محب للعلم وراغب في خدمة المجتمع، وقادر على الإبداع والابتكار، فرجاء لا تعاملوا أبنائنا "كمثل الحمار يحمل أسفارًا".