قطاع الخدمات في غزة.. انهيار اقتصادي وشلل شامل بعد الحرب
يشهد قطاع الخدمات في غزة واحدة من أسوأ أزماته منذ عقود، بعد أن كان يمثل نحو 54.9% من الناتج المحلي الإجمالي ويمتص أكثر من نصف القوى العاملة (51.6%) قبل اندلاع الحرب الأخيرة، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ووزارة الاقتصاد الوطني.
ومع التدمير الواسع للبنية التحتية والمناطق التجارية، انهار النشاط الخدمي بشكل شبه كامل، حيث تراجعت مساهمته بنسبة 76% وفقد الاقتصاد أكثر من 182 ألف وظيفة خلال الأشهر الأولى من الحرب، ما تسبب في شلل اقتصادي شامل للقطاع.
خسائر فادحة وتعطل شامل
قال عبد الناصر العجرمي، رئيس جمعية أصحاب المخابز ومالك “مخابز الشرق”، إن العدوان الإسرائيلي دمّر فروع المخابز بالكامل في جباليا ومدينة غزة، بما في ذلك الآلات وخطوط الإنتاج والتجهيزات.
وأضاف أن الخسائر بلغت مئات الآلاف من الدولارات، مشيرًا إلى أن المشروع كان يشغّل أكثر من 100 عامل فقدوا وظائفهم تمامًا.
وأكد العجرمي أن “إعادة إعمار هذا القطاع ليست ترفًا بل ضرورة إنسانية واقتصادية لإنقاذ مئات الأسر التي فقدت مصدر رزقها”.
وفي السياق ذاته، روى رائد هارون، صاحب كافيه “أوركيدا” على شاطئ بحر غزة، أن الحرب دمّرت مشروعه الذي كان مصدر دخله الوحيد، مقدّرًا خسائره بنحو 80 ألف دولار، مضيفًا: “كل أحلامي توقفت في لحظة، ولا أملك سوى الأمل بعودة الحياة من جديد”.
قطاع حيوي مهدد بالانهيار
يشمل القطاع الخدمي في غزة أنشطة التجارة الداخلية، والمخابز والمطاعم، والنقل، والتعليم، والصحة، والسياحة، والمصارف، والمشاريع الصغيرة.
ورغم الحصار المستمر منذ أكثر من 18 عامًا، ظل هذا القطاع الرافعة الأساسية للاقتصاد المحلي، غير أن الحرب الأخيرة دمرت مقوماته بالكامل.
وأكد محمد بربخ، القائم بأعمال مدير عام السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد بغزة، أن الوزارة وضعت خطة لتوفير مستلزمات التشغيل ودعم المنشآت المتضررة، لكنها لم تتلقَّ أي استجابة من الجهات المانحة حتى الآن.
وأشار إلى منح إعفاءات ضريبية للمؤسسات المتضررة في محاولة لتخفيف الأعباء عنها.
انهيار الناتج المحلي وتحذيرات اقتصادية
من جانبه، قال الدكتور سمير أبو مدللة، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن القطاع الخدمي كان يمثل نحو 60% من الناتج المحلي في غزة قبل الحرب، مؤكدًا أن الدمار الواسع أدى إلى توقف عجلة الاقتصاد المحلي بالكامل.
وأوضح أن غزة فقدت 80% من قدرتها الإنتاجية نتيجة تدمير الصناعات الصغيرة والزراعة إلى جانب الخدمات، ما تسبب في انكماش حاد في الدخل الفردي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
وحذر من أن استمرار هذا الوضع “سيعمّق الفجوة التنموية مع بقية المناطق الفلسطينية، ما لم تبدأ خطة شاملة لإعادة الإعمار”.
بعد سياسي للأزمة
الخبير السياسي ذو الفقار سويرجو اعتبر أن استهداف القطاع الخدمي جزء من سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى تفكيك مقومات الاقتصاد الفلسطيني.
وقال إن “الحصار والحروب المتكررة ليست أحداثًا عابرة، بل أدوات لإبقاء غزة في حالة أزمة دائمة”، مشيرًا إلى أن “التعافي لن يتحقق إلا بإنهاء الحصار وفتح المعابر وإطلاق خطة دولية لإعادة الإعمار”.
أونروا: الإغاثة أولوية عاجلة
وأوضح عدنان أبو حسنة، المستشار الإعلامي لوكالة الأونروا، أن الوكالة تركز حاليًا على الاستجابة الإنسانية العاجلة في مجالات التعليم والصحة والإيواء والمساعدات الغذائية، لكنها تعاني من عجز مالي يتجاوز 200 مليون دولار، مما يحد من قدرتها على دعم المشاريع الصغيرة أو إعادة إنعاش القطاع الخدمي.
وختم بالقول: “الأونروا تضع نصب أعينها الحفاظ على الخدمات الأساسية أولًا، على أمل أن تسمح الظروف مستقبلًا بإطلاق برامج تنموية تعيد الحياة الاقتصادية إلى غزة”.

