لازم أتكلم
كشفت خناقات طلاب وطالبات المدارس الدولية عن أزمة تربوية أخلاقية اجتماعية، وخلل خطير بهذا النوع من التعليم فى مصر، تتعامل معه وزارة التربية والتعليم للأسف الشديد بمسكنات وبيانات تنفى مسئوليتها وتلقى باللوم على أسرة الولد أوالبنت بطلة كل قصة فى تلك المدارس.
ورغم أن المفهوم الخاطئ للحب، وعلاقة الزمالة هى القاسم المشترك فى الخناقات التى يرتكبها هؤلاء داخل محيط المدرسة أو خارجها، إلا أن الوزارة تتعامل بسلبية شديدة، دون أن تحرك ساكنًا لتعديل وتصحيح المفاهيم السيئة وتوجيهها إلى المسار الصحيح.
وهذا لا يعنى أن طلاب مدارس زمان، كانوا بلا عاطفة ومشاعر، ولكنهم تلقوا تربية جيدة من الأب والأم والمعلم والمعلمة، فعاشوا الحب ببراءة وخجل وحياء دون عنف وخناقات أو إيذاء المحبوب أو تعريض أحد أفراد الأسرة للموت كما شاهدنا وسمعنا ما حدث من طلاب بعض المدارس الدولية فى زايد والتجمع وغيرها من مدن وأحياء طبقة المال والنفوذ.
وكاذب من يدعى أنه لم يحترق بكبريت المراهقة، ولم يحب أو يتحب من زميلته أو بنت الجيران فى المرحلة الإبتدائية، مرورًا بالإعدادية فالثانوية، ومع ذلك لم نكن نسمع بهذه الحوادث المخجلة، لأن الجميع كان يحترم نفسه ويقوم بدوره كما يجب، فى البيت والفصل والمسجد، على عكس ما يحدث الآن.
نعم المدرسة ليست المسئولة وحدها، ولكنها جزء رئيسى من مشكلة تعليمية تربوية سيظل المجتمع يعانى منها إن لم تتحرك المؤسسات المعنية لعلاجها وإزالة أسبابها ودوافعها. ولا أعفى الأسرة من المسئولية باعتبارها وعاء التنشئة، ولكن تبقى المدرسة مسئولة عن توجيه وتهذيب التربية إذا انحرفت عن المسار، ثم المسجد كمؤسسة مهمة تزرع المبادئ الدينية فى نفوس الجميع.
لن أقول الاختلاط السبب، فمثل هذه الخناقات نادرة الحدوث فى المدارس الحكومية المختلطة (مدارس الفقراء)، على عكس المدارس الدولية، والسبب تلقى الطالب مناهج لا علاقة لها بنشأته وتربيته، تأتيه من دول أجنبية حسب نوع المدرسة (أمريكية، بريطانية، فرنسية، ألمانية، كندية..الخ)، وهى مناهج لا يركز أغلبها على الجانب الأخلاقى والدينى، ولا تخضع لرقابة وزارة التعليم إلا فى أضيق الحدود المالية والإدارية فقط.
وفى ضوء ذلك، وفى زمن التكنولوجيا المعلبة، والسوشيال ميديا، صعبة التحكم والسيطرة، صارت التربية مهمة شاقة للأسرة المشغولة دائمًا بجمع المال، وعدم تفرغ الأم قبل الأب للتربية، تاركة هذه المهمة للمدرسة، سواء كانت حكومية أو خاصة أو دولية، وتلك هى المصيبة الكبرى؛ ولم تعد المدرسة كالتى تلقينا فيها وآباؤنا دروسنا الأولى ورضعنا منها أسس التربية، وفقد المسجد دوره بعد أن اعتلى منبره شيوخ منفصلون تمامًا عن واقعنا.
وهنا لا بد من وقفة لإعادة ضبط البوصلة التربوية داخل تعليم الطبقة (الهاى) الراغبة فى تعليم أبنائها وبناتها تعليما جيدًا يواكب سوق العمل، (وهذا حقهم) ولكن ليس من حق بعضهم ممن يملكون المال والواسطة والمحسوبية أن يروعوا المجتمع بعضلاتهم وسياراتهم الفارهة ونقص التربية.
الكارثة.. أن هذه الطبقة لم تعد كما كانت فى الماضى تجمع بين المال والعلم والأخلاق وإنما دخلتها عناصر جديدة تملك المال فقط، ومشغولة دائمًا بجمعه وتوظيفه لتقوية ظهور أبنائهم الصغار، ودفعهم دفعًا لممارسة أى شىء فى أى زمان ومكان؛ حتى ولو كان ضد القانون؛ الأمر الذى يتطلب تشديد الإجراءات العقابية، وإعادة النظر فى معايير وضوابط الإلتحاق بمدارس لا تنتمى لنا.
مطلوب فورًا تضمين مناهج المدارس الدولية مادة أو محتوى تربوى دينى يتواءم وطبيعة مجتمعنا لا المجتمع الغربى، وإزالة المفاهيم المعكوسة من عقول أبناء هذه الطبقة الثرية، والذين يتباهون بأموال ومناصب آبائهم، ويمارسون خلف ستارها أبشع سلوكيات العنف والإجرام وما يتنافى تمامًا مع قيمنا.