أثار قرار الجهاز الفنى بإبقاء النجم المصرى محمد صلاح على مقاعد البدلاء فى مباراته الأخيرة ضمن مسابقة دورى أبطال أوروبا حالة واسعة من الجدل داخل الأوساط الرياضية، محليًا وعالميًا. فبينما اعتبر البعض أن هذا القرار يمثل تقليلًا من مكانة الأسطورة المصرية، رأى آخرون أنه يندرج فى إطار الرؤية الفنية التى يملك المدرب وحده حق تحديدها وفقًا لمتطلبات كل مواجهة.
غير أن أصواتًا أخرى ذهبت إلى أبعد من ذلك، معتبرةً أن ما يحدث مع صلاح يتجاوز حدود المستطيل الأخضر، ويعكس المعادلة الأوروبية التى ما زالت تحكمها عوامل ثقافية ودينية وعرقية، تجعل الانتماء الكامل إلى القارة أمرًا نسبيًا. وهى معادلة تشبه إلى حدٍّ كبير ما عبّر عنه النجم الألمانى من أصول تركية مسعود أوزيل عندما قال عقب اعتزاله اللعب الدولى: “أنا ألمانى عندما نفوز، لكننى مهاجر عندما نخسر”.
تلك العبارة تلخص واقعًا مؤلمًا يعيشه عدد من النجوم ذوى الأصول غير الأوروبية فى الدوريات الكبرى، حيث تُقاس قيمتهم فى بعض الأحيان بمدى عطائهم اللحظى لا بتاريخهم أو بما قدموه على المدى الطويل.
ومع ذلك، يجب التأكيد على أن كرة القدم الحديثة لم تعد تنظر إلى جلوس نجم كبير على دكة البدلاء كحادثة استثنائية. فسياسة التدوير أصبحت من أساسيات الإدارة الفنية للأندية الكبرى، بهدف الحفاظ على توازن الفريق والجاهزية البدنية خلال موسم مزدحم بالمباريات. وفى ضوء ذلك، قد يرى المدير الفنى أن إبقاء صلاح احتياطيًا لمباراة أو أكثر يخدم مصلحة الفريق التكتيكية أو يمنح اللاعب فترة راحة ضرورية بعد مجهود كبير.
فمحمد صلاح، بما حققه من إنجازات محلية ودولية، يظل قيمة فنية ورمزية للكرة المصرية والعربية، ومكانته محفوظة مهما تغيّرت ظروف المشاركة. غير أن احترام قرارات المدرب هو جزء أصيل من ثقافة الاحتراف التى لطالما التزم بها صلاح طوال مسيرته، وهو ما يعكس نضجه الكروى ووعيه بأهمية الانضباط داخل المنظومة.
أما موجة الاحتقان الجماهيرى المبالغ فيها تجاه هذا القرار، التى بها الكثير من العاطفة ولا تخدم سوى إثارة الجدل دون مبرر. فالتقييم الفنى شأن يخص الجهاز الفنى وحده، والمصلحة العليا للفريق تقتضى دعم جميع اللاعبين دون تمييز، مع الإيمان بأن النجومية الحقيقية لا تُقاس بموقع اللاعب فى التشكيل الأساسى، بل بما يقدمه حين يُمنح الفرصة.
إن وجود محمد صلاح على مقاعد البدلاء لا ينتقص من تاريخه ولا من مكانته فى الكرة العالمية، بل يعكس عقلية النجم المحترف الذى يضع مصلحة الفريق فوق أى اعتبار، وهى سمة لا يتحلى بها سوى الكبار.. ولذلك سيبقى صلاح مثالًا للاعب المحترف الذى يحترم قرارات مدربه ويضع مصلحة فريقه فوق أى اعتبار. أما الجدل الجماهيرى حول موقعه فى التشكيل، فلا يغيّر من حقيقة أنه أحد أعظم من أنجبتهم الكرة المصرية والعربية، وأن قيمته تتجاوز فكرة المشاركة من البداية أو الجلوس على الدكة.
ويبقى السؤال:
هل ستكون الخطوة المقبلة فى مسيرة محمد صلاح بداية جديدة لصفحة أكثر هدوءًا ونضجًا؟
أم فصلًا أخيرًا فى حكاية نجم مصرى كتب مجده بأحرف من ذهب فى قلب أوروبا؟