محكمة أمريكية تُجبر ميتا على كشف وثائق سرية حول تأثير فيسبوك على المراهقين
في تطور قضائي جديد يزيد من الضغوط على شركة ميتا، المالكة لفيسبوك وإنستجرام، قضت محكمة اتحادية في واشنطن العاصمة بعدم أحقية الشركة في استخدام امتياز "المحامي والموكل" لحجب وثائق داخلية تتعلق بأبحاث أجرتها الشركة حول الأضرار النفسية المحتملة لاستخدام منصاتها على المراهقين.
القرار الذي كشفته وكالة بلومبرج للقانون يُعد ضربة قوية لميتا في القضايا التي تواجهها حاليًا، حيث تتهمها عشرات الولايات الأمريكية بأنها جعلت منصاتها الاجتماعية مصممة بشكل "إدماني" رغم علمها المسبق بتأثيراتها السلبية على الصحة النفسية للمستخدمين الشباب.
أوضحت القاضية ييفون ويليامز في حكمها أن مستشاري ميتا القانونيين وجّهوا موظفين داخل الشركة بـ"حذف" أو "تقييد" أو "إغلاق" بعض نتائج الدراسات الداخلية التي تناولت أثر وسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين، بهدف تقليل المخاطر القانونية المحتملة.
وقالت القاضية إن هذه التوجيهات لا تندرج ضمن الحماية القانونية للعلاقة بين المحامي وموكله، بل تقع ضمن ما يُعرف بـ"استثناء الجريمة والاحتيال"، الذي يمنع استخدام الامتياز القانوني كوسيلة لإخفاء معلومات أو التلاعب بالأدلة.
وبموجب الحكم، باتت ميتا ملزمة بتسليم أربع وثائق داخلية تم إعدادها بين نوفمبر 2022 ويوليو 2023، خلال سبعة أيام فقط، لتتم مراجعتها كجزء من الأدلة في الدعاوى القضائية المستمرة ضد الشركة.
في المقابل، أصدرت ميتا بيانًا رسميًا عبر متحدثها الإعلامي أكدت فيه رفضها للحكم، مشيرة إلى أن المناقشات التي أجريت بين محامي الشركة وموظفيها كانت "روتينية ومشروعة"، وأنه لم يتم حذف أو إتلاف أي بيانات بحثية.
وأكد المتحدث أن الشركة التزمت دومًا بمعايير الشفافية والتعاون الكامل مع السلطات، مشددًا على أن ما تفعله ميتا يندرج ضمن الممارسات القانونية المعتادة في كبرى الشركات التقنية.
القضية الحالية ليست معزولة، بل تأتي ضمن سلسلة من الدعاوى الجماعية التي رُفعت ضد ميتا وشركات تواصل اجتماعي أخرى، تتهمها بالتسبب في زيادة معدلات القلق والاكتئاب واضطرابات النوم بين المراهقين.
وتشمل الدعاوى المدعين العامين لعشرات الولايات الأمريكية، إلى جانب مئات القضايا المدنية التي رفعها أولياء أمور ومراهقون ومجالس مدارس عامة في مختلف أنحاء البلاد.
ويُنتظر أن تُفتح أولى جلسات المحاكمة في هذه القضايا خلال عام 2026، في محكمة ولاية كاليفورنيا، حيث تواجه ميتا اتهامات تتعلق بانتهاك قوانين حماية المستهلك وإهمال سلامة المستخدمين.
يمثل الحكم الجديد تصعيدًا كبيرًا في المواجهة بين السلطات الأمريكية وشركات التكنولوجيا الكبرى، خاصة في ظل تزايد الاتهامات الموجهة إلى فيسبوك وإنستجرام وتيك توك بشأن تسببهما في آثار نفسية واجتماعية سلبية على فئة الشباب.
وكانت تحقيقات سابقة قد كشفت عن دراسات داخلية أجرتها ميتا تُظهر أن إنستجرام تحديدًا قد يسهم في تفاقم مشاكل صورة الجسد بين المراهقات ويؤثر على تقدير الذات، وهي نتائج لم تُعلن الشركة عنها في حينها.
ويرى خبراء القانون والتقنية أن قرار المحكمة قد يُشكّل سابقة مهمة في كيفية تعامل القضاء مع قضايا الشفافية داخل شركات التكنولوجيا، خاصة تلك التي تمتلك تأثيرًا مباشرًا على الصحة النفسية والسلوك الاجتماعي للمستخدمين.
من المتوقع أن يؤدي هذا الحكم إلى زيادة الدعوات داخل الولايات المتحدة لإقرار تشريعات أكثر صرامة تنظم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين القاصرين، وتُلزم الشركات بالكشف عن نتائج أبحاثها المتعلقة بالصحة النفسية.
كما قد يدفع هذا القرار شركات التكنولوجيا الكبرى إلى إعادة النظر في سياسات إدارة المحتوى، والتفاعل مع الهيئات الرقابية لتفادي الغرامات والدعاوى المستقبلية.
ومع تصاعد الجدل حول دور المنصات الرقمية في تشكيل سلوك المراهقين وصحتهم النفسية، يبدو أن ميتا ستواجه عامًا حافلًا بالتحديات القانونية والتنظيمية، في وقت تحاول فيه الدفاع عن مكانتها في سوق التكنولوجيا العالمي وسط دعوات متزايدة للمساءلة والشفافية.