هل تخيلت يومًا أن يستيقظ الطالب صباحًا متحمسًا للذهاب إلى المدرسة؟
أن يترك هاتفه بإرادته، ويستعد ليوم ملىء بالحركة، والضحك، والمفاجآت؟
قد يبدو هذا المشهد خياليًا فى بعض المدارس، لكنه أصبح واقعًا حيًا فى مدارس أضاءت طريق التعليم بروح جديدة — مدارس جعلت الأنشطة التربوية والانضباط الإيجابى سرّ الجاذبية، لا الحصص وحدها.
الفكرة بسيطة لكنها ثورية:
المدرسة لا تُحَب إلا إذا أحبّت الحياة داخلها. لذلك، لم تعد الأنشطة التربوية مجرد فقرات فى جدول مهمل، بل تحوّلت إلى روح المدرسة التى تمنحها البهجة والمعنى والانتماء.
فى مدرسة الشهيد محمود مجدى الإعدادية بنين تجلّت التجربة بصورة مبهرة فى الجمع بين الانضباط والمتعة.
فقد نجحت إدارة المدرسة فى تحويل طابور الصباح إلى منصة للتعلم والمنافسة الإيجابية، حيث أُضيفت فقرة يومية بعنوان «المعلومة الجديدة»، يتابعها الطلاب بشغف، ثم تُطرح أسئلة حولها، وتُمنح جوائز رمزية لمن يجيب بشكل صحيح.
بهذا الأسلوب البسيط، زرعت المدرسة فى الطلاب حب المعرفة والانتباه، وربطت الحضور الصباحى بالمكافأة والتميز.
كما اهتمت المدرسة بالنشاط الرياضى، ففتحت الملاعب للطلاب بعد اليوم الدراسى، ونظمت مباريات ودّية بين الفصول، جعلت روح الفريق والتنافس الشريف تملأ أجواء المدرسة.
أصبح الانضباط عادة، والغياب استثناء، لأن الطلاب وجدوا فى المدرسة بيئة حيوية تكرم حضورهم وتحتفى بجهدهم.
ولم تتوقف الفكرة عند حدود المدرسة فقط، بل امتدت إلى الإدارة التعليمية نفسها. فقد بادرت الإدارة بتنظيم دورى كرة قدم بين المدارس، مع جوائز وكؤوس للفِرق الفائزة، فى أجواء مفعمة بالحماس والروح الرياضية. ولم يكن الهدف فقط اللعب، بل تعزيز الالتزام والانتماء، لذلك أعلنت الإدارة قرارًا حاسمًا:
«لن يشارك أى طالب يتجاوز غيابه عشرة أيام». بهذا القرار الذكى، ربطت الإدارة بين الانضباط والمكافأة، وبين الحضور والفرصة، فصار الطلاب أكثر حرصًا على التواجد والمشاركة.
أما فى مدرسة الشهيد أحمد عبدالباسط الثانوية بنات فقد حدثت تجربة مدهشة جعلت البنات لا يتغيبن عن المدرسة يومًا واحدًا! السر؟ بيئة تعليمية تشبه ورشة إبداع حيّة.
فى كل ركن نشاط: فريق موسيقى يعزف الأمل، معرض فنى يعرض لوحات الطالبات، مسابقات ثقافية تشعل الحماس، وحوارات مفتوحة تنمّى الفكر والجرأة على النقاش.
هنا لم تعد المدرسة مكانًا للتلقى، بل مسرح للحياة بكل ألوانها.
التربية البيئية والمجتمعية: تعليم بالممارسة لا بالكلام
من حملات النظافة إلى زراعة الأشجار، من العمل التطوعى إلى المشاركة فى احتفالات وطنية…
يتعلم الطلاب كيف يكونون مواطنين حقيقيين، يفكرون فى غيرهم، ويعتزون بمكانهم ومدرستهم ووطنهم.
النتيجة؟
المدارس التى كانت تشكو من الغياب أصبحت تمتلئ بالحضور والنشاط.
الطلاب يأتون لأنهم يريدون لا لأنهم مجبرون.
المعلمون وجدوا فى هذه الأجواء طاقة جديدة، أعادت لهم متعة المهنة وشغف الرسالة.
هذه النماذج من مدارسنا تؤكد أن الأنشطة ليست ترفًا، بل جوهر التعليم الحقيقى.
فمن خلالها يتعلم الطالب القيم، والمواطنة، والتعاون، والإبداع… دون أن يشعر أنه فى «حصة دراسية»، بل فى رحلة حياة.
السر بسيط: حين يشعر الطالب أن المدرسة مكان يصنع فيه ذاته، لن يغيب عنها يومًا.
كيف نعمم هذه التجربة فى باقى المدارس؟
لتصبح مدارسنا كلها نابضة بالحياة مثل «الشهيد محمود مجدى» و«الشهيد أحمد عبدالباسط»، علينا أن نغيّر نظرتنا إلى النشاط التربوى من «كماليات» إلى «أساسيات».
أن نمنح المعلمين حرية الإبداع، ونوفر للمدارس الدعم اللازم لتنفيذ أفكار جديدة، وأن نُشرك أولياء الأمور والمجتمع المحلى فى الأنشطة. حينها فقط، لن يكون التعليم مجرد دروس وكتب، بل حياة متكاملة يعيشها الطالب بشغف، ويتخرج منها لا بشهادة فقط، بل بشخصية قوية، منضبطة، ومبدعة. وهكذا نصنع جيلًا لا يذهب إلى المدرسة لأن عليه أن يذهب. بل لأنه يريد أن يذهب.