ع الطاير
أصبح التداخل والتشابك بين التكنولوجيا وتفاصيل الحياة اليومية مرعباً وبات الذكاء الاصطناعى من أهم التقنيات التى تمتد اليوم إلى أحد أكثر الملفات حساسية واستراتيجية فى العالم والآن فى مصر إنها المياه، ففى كلمته خلال جلسة منتدى الاستثمار بين مصر والاتحاد الأوروبى ضمن فعاليات أسبوع القاهرة الثامن للمياه، أعلن الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عن مشروعات رقمية متقدمة لتوظيف الذكاء الاصطناعى فى إدارة الموارد المائية بالتعاون الوثيق مع وزارة الموارد المائية والرى.
التعاون بين الوزارتين يشمل تنفيذ منظومة رقمية تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعى ومعالجة الصور لحوكمة عمليات تطهير المجارى المائية وإزالة الأعشاب بما يضمن انسياب المياه بكفاءة إلى الأراضى الزراعية.
التعاون الأهم يركز على ترشيد استخدام المياه الجوفية من خلال أتمتة عملية حفر الآبار ومراقبة معدلات استخراج المياه، إلى جانب محاكاة رقمية متطورة لمستودعات المياه الجوفية، تمكن الدولة من مراقبتها بدقة والسيطرة على استهلاكها، أيضاً يتضمن التعاون تحليل التركيب المحصولى الفعلى لكل موسم زراعى باستخدام صور الأقمار الصناعية، لتحديد الاحتياجات المائية بدقة وضبط المساحات المزروعة بالمحاصيل عالية الاستهلاك مثل الأرز، بما يتسق مع السياسات المائية لمصر، والحقيقة أن ما طرحه الوزير لا يمثل مجرد خطة تقنية بل تحولاً فكرياً فى فلسفة إدارة الموارد المائية.
على مدى عقود طويلة كانت الدولة تواجه تحديات المياه بمنهج رد الفعل، أما اليوم فهى تتحرك بمنهج التحكم الاستباقى الذكى، إنها نقلة من الإدارة الورقية إلى إدارة رقمية ديناميكية، قادرة على التنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها، وتوجيه القرارات الزراعية والمائية على أسس علمية، إن المياه هى شريان الحياة فى مصر، والبيانات اليوم أصبحت شريان القرار، ما تقوم به وزارتا الاتصالات والرى هو بناء درع معلوماتية لحماية الأمن المائى من الهدر وسوء الاستخدام، وجعل الذكاء الاصطناعى حارساً رقمياً للنيل.
هذه الخطوة تفتح الباب أمام نموذج مصرى فريد يمكن تصديره إلى الدول التى تواجه تحديات مشابهة، حيث تلتقى التكنولوجيا بالاستدامة والحوكمة البيئية فى نقطة واحدة، ليس من المستبعد أن نرى خلال سنوات قليلة قادمة منظومة مائية ذكية متكاملة تتنبأ بالاستهلاك المائى لكل محافظة، وتصدر تنبيهات فورية قبل أى خلل فى منظومة الرى.
ومع تطور الذكاء الاصطناعى التوليدى وإنترنت الأشياء الزراعى، قد نشهد قريباً أنظمة رى ذاتية الإدارة تشغل مضخاتها تلقائياً وفق بيانات الطقس ونوع المحصول ورطوبة التربة حينها، لن يكون الحديث عن إدارة المياه، بل عن ذكاء المياه.
لقد علمت مصر البشرية قديماً كيف تروض النهر لتبنى حضارة، واليوم، تعلم العالم مجدداً كيف تروض البيانات لتصنع استدامة، إن ما كشف عنه الدكتور عمرو طلعت ليس مجرد مشروعات، بل رؤية استراتيجية تعيد تعريف علاقة الإنسان بالمياه فى عصر الذكاء الاصطناعى — لتظل مصر، كما كانت دائماً، رائدة فى تحويل التحديات إلى فرص، والنهر إلى عقل نابض بالحياة.