عاجل
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

خارج السطر

 

 

فى يوم تجادل الصحفى البريطانى الشهير المعنى بالشرق الأوسط، روبرت فيسك (1946-2020) مع أحد أصدقائه اللبنانين حول ما بعد الموت. قال صديقه اللبنانى إن لديه يقينا بوجود حياة أخرى بعد الموت، وهو ما كان ينكره روبرت فيسك، الذى أجابه طالبا منه أن يُثبت ذلك منطقيا. سأله اللبنانى بوضوح «سيد روبرت: هل تعتقد أن هناك عدلا فى هذا الكون؟». فكر الصحفى الشهير للحظات مسترجعا ما تابعه وعايشه وشهد عليه من مذابح دموية، ليجيب بشكل قاطع «لا». فابتسم اللبنانى وقال له «إذن لو افترضنا عدل الإله الخالق، وهو فرض حتمى، فإنه لا بد من وقت ما لإنصاف المظاليم وحساب الظلمة».

ذلك هو المُسكن الوحيد الممكن لكل هذا الشر من حولنا: قهر يرتدى حللا أنيقة، جزارون يضعون أقنعة ساسة، ومجرمون يبتسمون كأطفال، ورجال يمثلون أدوار دبلوماسيين. صفقات ربح فى الظلام وفى النهار، يجريها تجار جثث. أرذل البشر، يأمرون بقتل، وينهون عن عدل ويمارسون القسوة بأحد درجاتها.

تعلمنا فى المدرسة صغارا أن غاية القوانين هى العدل، وهدف النُظم العالمية الحديثة هى الانصاف، لكننا اليوم فى زمن الفيمتو ثانية، والإى آى، والاستنساخ، نعيش بلا غاية ولا هدف ولا عدل.

فيما مضى كان القتلة يقتلون انتقاما لشرفهم، ولتعرضهم للظلم، ولرد إهانات. عرفنا قتلة من أجل المال، يُكرى فيقتل، أو من أجل امرأة حسناء، تُحرضه إغراء، أو يقتل كضربة استباقية لشخص يتوقع منه هجوما أو خطرا. فى القرن العشرين، ومع التطور، وبزوغ فكرة الإنسان الأعلى «سوبر مان» تمرمغ المنطق، فصار هناك قتلة يقتلون لأنهم يريدون قتل بشر. بلا أسباب إطلاقا. صاغ الروائى اندريه جيد(1869ـ 1951) مصطلحا جديدا سنة 1912 عرف بالقتل المجانى.

وهكذا عرف العالم فى الأربعينات والخمسينات مهووسين بالقتل، يزهقون الأرواح بلا أى دافع. كان هربرت ميلز أحدهم، ساء مزاجه يوما من أيام 1952 فدخل إلى السينما وجلس بجوار سيدة أربعينية لا يعرفها، نظر إليها بتمعن، قبل أن يخنقها بقسوة. ومثله أطل كثيرون وكثيرون حتى جاء بعضهم وحكموا بلادا وأزهقوا أرواحا بمرح وزهو، لم يعبأ أحدهم بحشرجة محتضر أو حسرات فقد.

ولوَل العالم على ضحايا هتلر، بكى مظاليم ستالين، تعاطف مع المقهورين فى إفريقيا وآسيا وأمريكا، اللاتينية لكنه تجمد أمام سفاح العصر المهووس، لأنه مدعوم من تاجر الاستعمار الذى يرهن كل شيء بالمال: المبادئ، القيم، الأخلاق، وحتى صورة بلاده لدى العالم. يبدو بنيامين نتنياهو مدفنا متحركا، برميل دم ممتلئا، سفاحا مطلقا، يقتل ليقتل، يتلذذ بآهات الأطفال، وينتشى بمشاهد الدم، يتمخطر فى خيلاء مستندا إلى دعم وتشجيع دونالد ترامب، الذى يطرح مبادرة لا عدل ولا رحمة. تبدو الخيارات عويصة بين الموت جوعا ونسفا أو الموت قهرا. أرض مقابل حياة. استسلام أو استسلام.

العدل؟ ما العدل؟ كلمة ممنوعة من الصرف، مؤجلة لعالم آخر، تقف الخلائق فيه منخرسين أمام الأعظم تُرد فيه الحقوق، ويُقضى بالعدل. ذلك بعض صبرنا على ما نعيش من كروب فى هذا الزمان.

والله أعلم

 

[email protected]