تسارعت فى الأسابيع الأخيرة خطوات بعض العواصم الأوروبية وأمريكا اللاتينية نحو الاعتراف الرسمى بدولة فلسطين. خطوة تحمل دلالات سياسية ورمزية كبيرة، وتكشف حجم التحول الذى فرضته مجازر غزة الأخيرة، والضغوط الشعبية التى ملأت الشوارع الغربية بالهتافات والأعلام الفلسطينية، لتجبر حكوماتٍ طالما تمسكت بالحياد الزائف أو الانحياز لإسرائيل على تغيير خطابها.
لكن، وبعيدًا عن العناوين العاطفية، يفرض السؤال نفسه: ماذا يعنى الاعتراف إذا بقى الفلسطينى محاصرًا فى غزة، مطاردًا فى الضفة، منفيًا فى الشتات؟
هل يكفى أن تُرفع الأعلام الفلسطينية على مبانى السفارات بينما تُرفع جرافات المستوطنين على أراضى الضفة؟ هل يكفى أن يوقَّع قرار دبلوماسى فى برلمان أوروبى بينما تُوقَّع أوامر القصف على أحياء غزة؟
الحقيقة الصارخة أن الاعتراف، مهما كانت قيمته الرمزية، يظل أداة ناقصة ما لم يُترجم إلى خطوات عملية:
< ضغط سياسى حقيقى على إسرائيل لإيقاف الاستيطان ورفع الحصار.
< عقوبات اقتصادية ودبلوماسية تُشعر الاحتلال أنه لم يعد دولة فوق القانون.
< مقاطعة شاملة لمنتجات المستوطنات وكل ما يرتبط بآلة الحرب الإسرائيلية.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية تأخر أكثر من سبعين عامًا. جاء بعد أن امتلأت المقابر، وتحوّلت غزة إلى أنقاض، وتكسرت أوهام “عملية السلام” على صخرة التعنت الإسرائيلى والدعم الغربى الأعمى. لذلك، فإن الترحيب بهذه الاعترافات لا يجب أن يحجب عنا الحقيقة: فلسطين ليست بحاجة إلى شهادة ميلاد دولية؛ فهى صاحبة الأرض والشرعية منذ البداية. من يحتاج إلى شرعية واعتراف هو الاحتلال، لا الضحية.
إن الحبر الذى تُكتب به بيانات الاعتراف لا يستطيع أن يوقف نزيف الدم وحده. وحدها إرادة سياسية جريئة تفرض على إسرائيل دفع الثمن، وتحوّل الاعتراف الرمزى إلى أداة فعلية لإنهاء الاحتلال، هى ما سيجعل من هذه الخطوة محطة فى طريق التحرير، لا مجرد ورقة جديدة فى أرشيف الخيبة.
الدم الفلسطينى لا يحتاج إلى بيانات تضامن ولا إلى وعود مؤجلة، بل إلى مواقف حقيقية تُجبر العالم على الاختيار: إما الوقوف مع العدالة، أو البقاء شركاء فى الجريمة.
ويبقى السؤال: ماذا بعد؟