تشكل منطقة الساحل الأفريقى، والتى تشمل دول مثل مالى، والنيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد، وموريتانيا، واحدة من أكثر بؤر الإرهاب اضطرابًا وخطورة على مستوى العالم. ففى السنوات الأخيرة، شهدت المنطقة تصاعدًا غير مسبوق فى نشاط التنظيمات الإرهابية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (التابعة لتنظيم القاعدة) وولاية الساحل التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، مما أدى إلى زعزعة استقرار الدول وتفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية. يعود تفاقم ظاهرة الإرهاب فى الساحل إلى مجموعة متشابكة من الأسباب الهيكلية والمستجدة:
هشاشة الدول وضعف المؤسسات: تعانى العديد من دول الساحل من ضعف الدولة المركزية وسوء الحوكمة، وغياب الخدمات الاجتماعية الأساسية كالصحة والتعليم، مما يخلق بيئة خصبة لانتشار التطرف.
الفقر والبطالة ونقص التنمية: تنتشر فى المنطقة مستويات عالية من الفقر المدقع وبطالة الشباب، مما يدفعهم للانضمام إلى الجماعات المسلحة التى تقدم لهم المال أو الحماية أو شعورًا بالانتماء.
الجغرافيا المفتوحة والحدود السهلة: تتميز منطقة الساحل بمساحات جغرافية شاسعة وحدود غير مُراقبة بشكل كافٍ، مما يسهل حركة المقاتلين وتهريب الأسلحة والمخدرات والبشر. وتعتبر المناطق الحدودية الثلاثية بين مالى وبوركينا فاسو والنيجر من أكثر المناطق تضررًا.
الثروات الطبيعية: تزخر دول الساحل بثروات طبيعية هائلة كالذهب واليورانيوم والنفط. وتستغل التنظيمات الإرهابية هذا الأمر للحصول على مصادر تمويل ضخمة من خلال السيطرة على مناطق استخراج وتهريب هذه الموارد.
التدهور البيئى والتغير المناخي: تزيد الظروف المناخية القاسية، مثل الجفاف والتصحر، من التنافس على الموارد الشحيحة كالمياه والمراعى بين المجتمعات الرعوية والزراعية، مما يخلق صراعات تستغلها التنظيمات الإرهابية لتجنيد الأفراد.
الفراغ الأمني: أدى انسحاب القوات الفرنسية والأممية مؤخرًا من بعض الدول مثل مالى والنيجر، فى أعقاب موجة الانقلابات العسكرية، إلى خلق فراغ أمنى استغلته الجماعات المسلحة لتوسيع نطاق سيطرتها ونشاطها.
تتجاوز تأثيرات الإرهاب فى الساحل الأفريقى النطاق المحلى لتشكل تحديًا أمنيًا عالميًا:
< الكارثة الإنسانية: تسبب الإرهاب فى موجات نزوح داخلى واسعة وزيادة أعداد اللاجئين وتفاقم انعدام الأمن الغذائى، مما أثر على ملايين الأشخاص.
< التهديد الإقليمى والدولي: بدأ خطر الإرهاب فى الزحف نحو دول غرب أفريقيا الساحلية، مما يهدد الاستقرار الإقليمى ككل. كما أن تحالف بعض الدول مع قوى دولية (مثل روسيا) أدى إلى تحويل المنطقة إلى ساحة للصراع الدولى والتنافس على النفوذ.
< عسكرة الحكم: ساهم التدهور الأمنى فى إضعاف الأنظمة الديمقراطية الهشة، وكانت الانقلابات العسكرية المتكررة فى المنطقة أحد أبرز نتائج هذا الفشل الأمنى.
رغم التحديات الهائلة، هناك جهود إقليمية ودولية لمواجهة هذا الخطر، أبرزها تشكيل قوة الساحل المشتركة (G5 Sahel) التى تضم مالى والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا. كما أن هناك تعاونًا متزايدًا بين دول غرب أفريقيا ودول شمال أفريقيا كالجزائر والمغرب لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. ومع ذلك، تبقى هذه الجهود بحاجة إلى دعم مالى ولوجستى كبير واستراتيجيات شاملة لا تقتصر على الجانب العسكرى فحسب، بل تمتد لتشمل التنمية الاقتصادية ومكافحة التطرف الفكرى وتقوية مؤسسات الدولة.
إن معالجة أزمة الإرهاب فى الساحل الأفريقى تتطلب تركيزًا على جذور المشكلة من خلال الاستثمار فى التنمية المستدامة، وتعزيز الحوكمة الرشيدة، ودعم التعاون الإقليمى، لمنع المنطقة من أن تصبح مرتعًا دائمًا للتطرف العالمى.
أمين سر لجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب.