رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

«عم سيد».. حارس الذاكرة الطينية في فيلم نبت الأرض

بوابة الوفد الإلكترونية

يواصل المخرج الشاب محمد حامد سلامة خطواته المميزة في عالم السينما التسجيلية، من خلال فيلمه الجديد والذي يشارك به بالمهرجان yoRA 2025 الدولي بالتعاون مع مهرجان خليج كليفيني جمعية كليفي للثقافه والابداع مقاطعه كليفي كينيا من 13 الي 18 اكتوبر، بعد أن حقق إنجازًا مهمًا بفوزه في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية – الدورة الـ14 – حيث حصد جائزة لجنة التحكيم الخاصة (الدرع الفضي) في مسابقة أفلام الطلبة «دورة الفنان نور الشريف»، برئاسة السيناريست سيد فؤاد، وإدارة المخرجة عزة الحسيني.

الفيلم أُنتج تحت إشراف المدرسة العربية للسينما والتلفزيونبرئاسة د. منى الصبان، بمجهود فريق عمل ضم: مونتاج: نيفين سراج الدين، موسيقى: نصر الدين أحمد

 

الفكرة والمحور الأساسي للفيلم

ينطلق الفيلم من عالم صناعة الفخار الشعبي في صعيد مصر، باعتبارها إحدى الحرف التراثية الضاربة في عمق التاريخ المصري، والتي تواجه خطر التلاشي أمام متغيرات الحياة الحديثة. ويختار سلامة أن يحكي القصة عبر شخصية محورية هي الأسطى سيد، الحرفي الذي ورث المهنة أبًا عن جد، ليغدو رمزًا لعناد الحرفيين البسطاء في مواجهة تيارات الزمن.

لا يكتفي الفيلم بعرض تفاصيل الصناعة كعملية تقنية فقط، بل ينسج صورة بصرية شاعرية تُبرز علاقة الحرفي بالأرض والطين والنار. الأسطى سيد يظهر كحلقة وصل نابضة بين الماضي والحاضر، إذ تستحضر يداه ذاكرة الأجداد مع كل قطعة فخار يشكلها، وكأنها ترنيمة صامتة من تراب الأرض وروح المكان.

 

البُعد الإنساني

يمنح الفيلم مساحة كبيرة لتفاصيل الحياة اليومية للأسطى سيد، وصراعه من أجل لقمة العيش، في ظل تراجع الإقبال على الفخار بعد انتشار الأجهزة الحديثة كالثلاجات وأدوات التخزين. ومع ذلك، يتمسك الرجل بحرفته باعتبارها جزءًا من هويته لا مجرد وسيلة للرزق. وهنا يطرح الفيلم تساؤلات عميقة: هل يمكن للفن الشعبي أن يظل حيًا في زمن يبتلع كل ما هو يدوي وتراثي؟ أم أن الإصرار على ممارسته يصبح شكلًا من أشكال المقاومة؟

 

القيمة البصرية والفنية

يمتاز الفيلم بلغة بصرية هادئة تعتمد على التفاصيل الدقيقة: ملمس الطين، صوت دوران الدولاب، وهج النار داخل الأفران. هذه العناصر تُعيد تشكيل المشهد كلوحة تشكيلية، تجعل المشاهد يتأمل في بساطة الحرفة وعمقها الروحي. أما الموسيقى التي وضعها نصر الدين أحمد فتأتي كخلفية حسية، تضيف بعدًا وجدانيًا يتماهى مع صورة الحرفي الكادح.

المونتاج، بتوقيع نيفين سراج الدين، حافظ على إيقاع متوازن بين السرد التوثيقي والجانب الشعري، بحيث لا يفقد الفيلم واقعيته ولا يبتعد عن حساسيته الفنية.

 

البعد الرمزي والتراثي

من خلال شخصية الأسطى سيد، ينجح المخرج في تقديم صورة أوسع: صورة المجتمع الريفي الذي يتغير تحت ضغط الحداثة، لكنه في الوقت نفسه متمسك بجذوره. الفخار هنا ليس مجرد صناعة، بل رمز للذاكرة الجمعية، وللحلم البسيط بأن تظل الحرف اليدوية حية كجزء من الهوية المصرية.

 

«عم سيد» ليس مجرد فيلم عن حرفة تقليدية، بل هو وثيقة بصرية وإنسانية تكشف عن عمق العلاقة بين الإنسان وأرضه، وتؤكد أن التراث ليس أثرًا ساكنًا في المتاحف، بل حياة مستمرة يحييها أناس بسطاء يصرون على البقاء.

من خلال هذا العمل، يثبت محمد حامد سلامة أن السينما التسجيلية قادرة على أن تكون جسرًا بين الماضي والحاضر، ووسيلة لحماية الذاكرة الشعبية من الاندثار، مانحًا المشاهد تجربة بصرية ووجدانية تتجاوز حدود المكان والزمان.