الواد مزيكا.. ذكرى رحيل نجاح الموجي أيقونة الكوميديا الشعبية الخالدة
في مثل هذا اليوم من عام 1998، خسر الوسط الفني المصري والعربي واحدًا من أبرز وجوه الكوميديا حين رحل الفنان الكبير نجاح الموجي عن عمر لم يتجاوز الثالثة والخمسين عامًا، بعد أزمة قلبية مباغتة داهمته فور عودته من عرض مسرحيته الأخيرة "سيدي المرعب"، وكان رحيله المفاجئ بمثابة صدمة كبيرة لمحبيه ولجمهور واسع تعود على ضحكته العفوية وأسلوبه المختلف الذي جمع بين خفة الظل والقدرة على ملامسة الوجدان، لتختفي فجأة ضحكة صنعت لنفسها مكانًا خاصًا لا ينافسها أحد في ذاكرة المصريين والعرب.

من أحلام الطفولة إلى خشبة المسرح
وُلد عبد المعطي محمد الموجي، الذي عُرف فنيًا باسم "نجاح الموجي"، في عام 1945 بمدينة طلخا بمحافظة الدقهلية، منذ سنواته الأولى كان شغوفًا بالتمثيل وحلم بالالتحاق بمعهد الفنون المسرحية، إلا أن القدر لم يحقق رغبته بعدما رُفض في اختبارات القبول أكثر من مرة، ورغم هذا الإحباط، لم يتوقف حلمه، فاتجه إلى معهد الخدمة الاجتماعية الذي تخرج فيه، وتدرج في حياته الوظيفية حتى وصل إلى منصب وكيل وزارة الثقافة، ورغم النجاح الوظيفي، ظل قلبه معلقًا بالفن، ولم يتخلَّ لحظة عن شغفه الأول.
الانطلاقة الفنية والبداية مع الكبار
بدأت مسيرته الفنية في عام 1969 عندما منحه المخرج محمد سالم والفنان جورج سيدهم دورًا صغيرًا في مسرحية "فندق الأشغال الشاقة"، ومن هنا بدأ حضوره يتشكل على الساحة الفنية، إلا أن نقطة التحول الكبرى جاءت مع مسرحية "المتزوجون" حين جسد شخصية "الواد مزيكا" الجزار، وهي الشخصية التي جعلته واحدًا من أيقونات الكوميديا الشعبية، حيث ظل الجمهور يردد إفيهاته حتى بعد سنوات طويلة، ومن أبرزها جملته الشهيرة "أنا الشعب"، التي ردّ عليها جورج سيدهم بعبارته الساخرة: "دي سياسة أمك".
نجومية ممتدة بين السينما والدراما
لم يقتصر نجاح الموجي على المسرح، بل اقتحم عالم السينما في أوائل الثمانينيات، وشارك في أعمال مميزة رسخت مكانته كفنان شامل. من أبرزها دوره اللافت في فيلم "4-2-4"، ثم مشاركته في "الحريف" مع الزعيم عادل إمام، وفيلم "أربعة في مهمة رسمية" إلى جانب النجم أحمد زكي.
ومع ذلك، فإن بصمته الأبرز جاءت من خلال فيلم الكيت كات، حيث جسد شخصية "الهرم"، وهو دور أصبح علامة فارقة في مشواره، إلى جانب مشاركاته المؤثرة في "ليه يا بنفسج" و"الحب فوق هضبة الهرم"، وهي أفلام أدرجت لاحقًا ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
أغنية صنعت أسطورة
وفي عام 1989، جاء واحد من أهم أدوار نجاح الموجي عبر فيلم "أيام الغضب"، حين غنى جملته الشهيرة "سلّم لنا بقى ع التروماي"، والتي تحولت بسرعة إلى أيقونة جماهيرية، هذه الأغنية لم تمنحه فقط شهرة واسعة، بل جلبت له جائزة من مهرجان دمشق السينمائي، ليؤكد من خلالها أن الكوميديا ليست مجرد إضحاك، بل أداة مؤثرة في الوجدان الشعبي.
وكان الموجي نفسه قد علّق على هذا النجاح قائلًا: "عمري ما كنت أحلم أكون مشهور بالشكل ده، لكن الأغنية اتوظفت صح في الدراما".
إفيهات لا تُنسى
ترك نجاح الموجي تراثًا من الجُمل المضحكة التي أصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية المصرية، ففي فيلم "131 أشغال" قال عبارته الخالدة: "سيبك منه ده أجزخانجي بمخ جزمجي"، وفي فيلم "صاحب الإرادة" ردّ على عادل أدهم قائلاً: "حرام إيه يا جدع.. الحرام هو اللي بيجي لحد عندنا"، هذه الإفيهات لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل تحولت إلى أيقونات يرددها الجمهور جيلاً بعد جيل.
الدراما التلفزيونية.. وجه آخر للفنان
ولم يتوقف عطاء الموجي عند السينما والمسرح، بل امتد إلى الدراما التلفزيونية، حيث لمع خلال التسعينيات في عدد من المسلسلات المهمة مثل العائلة، والفلوس، وأهلا بالسكان.
من خلال هذه الأعمال أكد أنه لم يكن مجرد كوميديان، بل ممثل متكامل قادر على تقديم أدوار درامية مؤثرة تمزج بين الكوميديا والتراجيديا في آن واحد.
النهاية المفاجئة وحزن الجمهور
في ليلة الخامس والعشرين من سبتمبر عام 1998، أنهى نجاح الموجي عرضه المسرحي "سيدي المرعب"، وعاد إلى منزله متعبًا بعد جهد كبير على خشبة المسرح، لم يكن يدري أن هذه الليلة ستكون الأخيرة في حياته، إذ باغتته أزمة قلبية مفاجئة أودت بحياته وهو في أوج عطائه الفني، وبرحيله خسر الفن المصري والعربي ضحكة لا تُعوّض وصوتًا مميزًا أضاف للفن أكثر من 170 عملًا متنوعًا ما بين المسرح والسينما والتلفزيون.
وبعد مرور أكثر من ربع قرن على رحيله، ما زال اسم نجاح الموجي حاضرًا في ذاكرة الجمهور، كأيقونة كوميديا فريدة جمعت بين الضحك والفكر، و"الواد مزيكا" الذي لم يزل صوته يتردد في قلوب الملايين.