مراجعات
على مدار عامين.. ما بين ظلال الصمت، وأروقة الخذلان، ترقد غزة، المستباحة والمحاصَرة، على أطراف حدود الوجدان الإنساني... تحكي قصة دماء لا تجف، وحكايات إبادة لا تنتهي.
في هذه البقعة الصغيرة من العالم، تحولت الأرض إلى مسرح مأساوي، يعرض غُصَّة التاريخ وألم الحاضر، لينسج مشاهد إبادة جماعية مروعة، تستند إلى عقيدة متطرفة، و«توظِّف الدين» لتبرير الأعمال الوحشية!
بكل أسف، «غزة» التي لطالما كانت رمزًا للصمود والكرامة، باتت الآن تحت وطأة آلة حرب لا ترحم، استنادًا إلى عقيدة تلمودية مُحَرَّفة، تُصوِّر الصراع على أنه حرب دينية مقدسة، يُباح فيها كل شيء، تحت شعار «الطُّهر الديني»!
في قلب هذا العدوان يتجسَّد حرفيًّا تحريض عقائدي فاشي، لتبرير الإبادة والقتل والتجويع والتهجير، وتبنِّي خطاب عنصري يبرر التطهير العرقي، ويغذي الكراهية الدينية، للوصول إلى حرب شاملة ضد العرب والمسلمين.
نعتقد أن استخدام «إسرائيل» هذا الخطاب الديني المتطرف، ليس محض مصادفة، بل هو استراتيجية مقصودة لتحويل الصراع من قضية وطنية إلى صراع ديني، يعكس في جوهره الاستئصال الكامل للوجود العربي والإسلامي في المنطقة، وتدمير النسيج الاجتماعي والروحي، وفرض هيمنة لا تقبل الشراكة أو التسامح.
في ظل تلك الحرب الظالمة، لم يعد الحديث عن الخبث والنفاق الغربي ذي جدوى، تزامنًا مع خذلان عربي، بات أكثر عُهرًا، إذ تَقف أصوات كثيرة مكتوفة الأيدي... تكتفي فقط بالتصريحات الهزلية والبيانات الشاحبة، بينما يتواصل العدوان، الذي يتجاوز الأرض، إلى الهوية والدين والتاريخ.
هذا الخذلان الذي يتغذى على ضعف التضامن الإنساني والأخلاقي، والصمت المبرر بالسياسة، يجعل من غزة ساحة مستباحَة، لتُنْتَهَك بأبشع حروب تجويع ممنهجة، ومجازر إبادة يومية، لا ولن تتوقف.
لقد اتفق كثير من المؤرخين أن مَن يُخضع غزة، سيُخضع سواها من المدن، ومن يستولي عليها، يستطيع بسهولة احتلال على ساحل وبرِّ الشام، والعديد من مناطق دول الطَّوق، وفقًا لما يسمى بخارطة «إسرائيل الكبرى»!
إذن، الوضع المأساوي الراهن، بمراراته وبشاعته وفظاعته، سيجعل من الاستيلاء على غزة ـ من خلال كسرها وكسر مقاومتها ـ بمثابة إعلان شبه رسمي، بالاستيلاء القريب على معظم الوطن العربي والإسلامي، وذلك يجعل من غزة القلعة الأخيرة، كما كانت على مرّ التاريخ.. لكنها بكل أسف تتعرض الآن للانكسار، على مرأى ومسمع مَن ينتظرون دورهم، وهم لا يشعرون!
أخيرًا.. غزة ليست فقط رقعة على الخريطة، بل هي قلب ينبض بالحياة، وصوت يطالب بالحق، وصدى لألم الإنسانية التي لا تزال تناضل من أجل بقائها، ولذلك سيذكر التاريخ أن مجرم الحرب «نتنياهو»، لم يكن ولن يكون بعظمة العابرين السابقين، الذين حطَّمت غزة كبرياءهم، وصنعت مجدًا عسكريًا وتاريخيًا فوق أمجادهم.
فصل الخطاب:
يقول الروائي الفرنسي فيكتور هوجو: «حين يسكت الضمير، تنمو الوحشية في قلب الإنسان».