قضية ورأى
هل تعلم أن الكويت تتصدر دول الخليج من حيث النسبة المئوية للمساعدات إلى الناتج القومي؟ تدعم الكويت أشقاءها العرب دون ضجيج ودون شروط ودون حسابات سياسية معقدة.
هل سمعت يومًا أن الكويت هددت وتوعدت أشقاءها العرب، أو نفخ إعلامها فى وميض نار تحت رماد سلطة ما فى آسيا أو أفريقيا؟
بالطبع لا.. فالكويت تساعد بمنطق عروبى وإنسانى.. والطحين موجود دون ضجيج، بينما فى دول أخرى الضجيج عال بلا طحين.
تتصدر الكويت، دول الخليج بنسبة المساعدات إلى الناتج القومى، إذ تقدم 0.53٪ من ناتجها دعمًا للأشقاء وهى نسبة قوية، وتُظهر التزامًا كبيرًا بالمساعدات الخارجية.
هذه النسبة تتجاوز النسبة التى تقدمها الشقيقة السعودية، إذ وجهت 0.51٪ من ناتجها عام 2023، ما يعنى أن الكويت تقارب المملكة فى الالتزام النسبى، رغم أن السعودية تقدم مساعدات مطردة وأكبر بالمطلق.
الإمارات وقطر تقدّمان نسبًا أقل من الكويت فى السنوات الأخيرة، تقريبًا 0.32٪.. وهذا لا يعنى تجاهل دورهما فى المساعدات، لكن من حيث النسبة للدخل، الكويت فى المرتبة المتقدمة.
تعدّ السياسة الخارجية لأى دولة مرآةً تعكس رؤيتها للعالم، وتحدد موقعها فى النظام الدولى، وتعبّر عن مصالحها الاستراتيجية ومبادئها الكبرى.
وفى حالة دولة الكويت، فإن السياسة الخارجية تكتسب أهمية مضاعفة بحكم موقعها الجغرافى فى قلب الخليج العربى، وبحكم صغر مساحتها وكثافة ثرواتها الطبيعية، وخاصة النفط.
منذ استقلالها عام 1961، تبنت الكويت نهجًا دبلوماسيًا متوازنًا، يوازن بين الحفاظ على السيادة الوطنية والانفتاح على العالم الخارجى، وبين الدفاع عن قضايا الأمة العربية وتعزيز السلام الدولى. وقد نجحت الكويت فى صياغة سياسة خارجية تقوم على الاعتدال والوساطة وحل النزاعات بالحوار، ما جعلها تحظى باحترام المجتمع الدولى وتلعب دورًا فاعلًا يتجاوز حجمها الجغرافى والديمغرافى.
حافظت الكويت على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وفى الوقت نفسه مع روسيا والصين والاتحاد الأوروبى.. هذا التنوع فى العلاقات مكّنها من تجنب الارتهان لأى قوة عظمى، وحمى مصالحها على المدى الطويل.
استطاعت الكويت أن تجعل من سياستها الخارجية نموذجًا للدبلوماسية الهادئة والمتوازنة. فرغم صغر حجمها الجغرافى، تمكنت من لعب أدوار تفوق وزنها الإقليمى، عبر الوساطة وحل النزاعات ودعم التنمية العالمية، لا عبر التدخلات هنا وهناك، ولاعبر مليارات الدولارات التى توجه لقنوات ترزع الفتنة ليل نهار.
ولعل أهم إيجابيات هذه السياسة الكويتية تكمن فى قدرتها على حماية الأمن الوطنى، وتعزيز مكانة الكويت كقوة ناعمة فاعلة، والمساهمة فى تحقيق الاستقرار الإقليمى والدولى.
وإذا عدت إلى العلاقات المصرية الكويتية، فجميعنا يعرفها، ويعرف أن مصر كانت أول من تقدم لتحرير الكويت من جريمة صدام حسين التى تشبه النكسة فى تبعاتها.
فصدام بعدوانه وتهديده المستمر، هو من مكن أمريكا من الهيمنة المطلقة على المنطقة، وأوجد لها مبررات نشر القواعد العسكرية فى كل مكان.. والنتيجة نحصدها الآن وستحصدها أجيال قادمة، تمامًا كتبعات نكسة 67 التى ما زلنا نحصد مرارتها.
لم تنس الكويت الموقف المصرى.. ولتنظروا كيف كانت ردود أفعال الشارع عندما استقبل الأمير مشعل الأحمد الجابر الصباح، شقيقه الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال أبريل الماضى، بحفاوة وتكريم مثير للإعجاب.
فالأخوة تقتضى التقدير والتكامل، لا نشر الفوضى كما يفعل البعض.
ربما يعول البعض على القمة العربية التى عقدت أمس الإثنين، فى حل مشاكل العرب وتمكين القوى الفاعلة وعلى رأسها مصر من ردع إسرائيل، وربما يراهن كثيرون على أن «لاشىء سيحدث».
لكن يظل ثمة أمل فى أن يتحقق يومًا ما، تكامل عربى، بعد أن تدرك الأنظمة العربية أن استمرارها مرهون بهذا التكامل، وأن تأليب الشعوب لن يحقق الاستقرار لأحد.