فى خضم الحرب الدائرة وذلك الصراع العربى الإسرائيلى المتمثل فى إبادة شعب فلسطين تحت مرأى ومسمع العالم المتحضر والعالم غير المتحضر، يعتقد الساسة أن القضية تشتعل وتنطفئ بالمفاوضات والمشاورات والقنابل والحرائق والاغتيالات، بينما تحت الرماد هناك أجيال متبانية ومتفرقة من الفلسطينيين الذين ينقسمون إلى أربع مجموعات، عرب فلسطين أو عرب ٤٨ هؤلاء الذين يعيشون فى إسرائيل وبعضهم لديه الهوية الإسرائيلية باسم عرب ٤٨ أو ما بعد النكبة وهؤلاء فاقدو الهوية أو منقسمو الهوى والانتماء، وهناك فلسطينيو الشتات وهؤلاء الذين هاجروا مع أسرهم وذويهم إلى البلدان العربية وأصبحوا جزءًا من ثقافات خليجية ومصرية وشامية وأردنية؛ ومع هذا ظلوا منتمين إلى حد كبير لهويتهم الفلسطينية الأولى وإلى أراضيهم فهم يعاملون دومًا معاملة مواطنى الدرجة الثانية فلا هم جزء من تلك البلدان المجاورة ولا هم مازالوا فى ديارهم وحاملى هويتهم التى يحاول المحتل محوها... الفئة أو المجموعة الثالثة هم الذين هاجروا إلى بلاد أوروبية وأمريكية، هؤلاء فى صراع دائم بين هويتهم الفلسطينية العربية الشرقية الإسلامية وبين الغرب وتوجهاته العنصرية المعلنة والخفية على الرغم من هامش الحريات والديمقراطية والحياة الآمنة أقتصاديًا المزعومة والظاهرة؛ هذه الفئة تعيش أصعب الحيوات فهم منقسمون على ذواتهم ويتكلمون ويكتبون باللغة الاجنبية ويتزاوجون معهم ويحاولون محاكاتهم وتقليدهم لكنهم دائمًا يفشلون وفق نظريات التماثل والمحاكاة للناقد والكاتب الأفريقى فرانك فانون، وأيضا الناقد الهندى هومى بابا اللذان يقران بأن الاستعمار أو المحتل يدفع الشعوب المحتلة إلى تقليده ومحاكاته محاولة أن تتمثل به فى السلوك والكلام وحتى الملبس والمأكل وجميع مناحى الحياة. قد يكون هذا نوعا من البقاء أو جزءا من المقاومة الخفية ولكن يظل المقهور محتلا ومستعبدا... ونأتى للفئة الرابعة وهم الفلسطينيون الذين ظلوا فى أراضيهم المحتلة فى الضفة وغزة هؤلاء لا يعانون من هوية منقسمة ولا من فصام ولا انفصال ويعرفون جيدًا من هو عدوهم وكيف يقاومون... نعم يعيشون أصعب الظروف التعليمية والاقتصادية والاجتماعية لكنهم أحرار مدركون لما هم فى من أزمة ومحنة وصراع وجودى...
الأدب الفلسطينى يظل أدب مقاومة وتاريخ وتوثيق لهذه الملحمة الإنسانية سواء كتب الفلسطينى بالعبرية كما الكاتب سيد قشوع من عرب 48، روايات مثل (ضمير المتكلم 2012) عن أزمة الهوية ومعاناة الفلسطينى فى ظل دولة عنصرية تتعامل معهم بتفرقة وعنصرية وفوقية وتعتبرهم خدمًا وعبيدًا فيضطر إلى سرقة هوية أحد الاسرائليين ليصبح إسرائيلىيًا فى الأوراق الرسمية حتى يحظى بالميزات والاحترام والمال، لكنه مع الوقت يكتشف أنه لا يستطيع أن يكون إسرائيليا حتى وإن سرق هوية المحتل.. أما الكاتبة الفلسطينية الأمريكية سوزان أبو الهوى فهى تحاول أن تكتب بالإنجليزية رواية صباح الخير يا حنين 2006 عن معاناة الفلسطينى فى أرض المهجر وعدم قدرته على التكيف ومدى القسوة والتفرقة فى التعامل معه فى أرض الحرية الأمريكية المزعومة والتى لا تتقبله مهما كان ومهما فعل حتى وإن غير اسمه ورسمه ولغته وأسلوبه..
عرب 48 وفلسطينى المهجر وفلسطينى الشتات جميعهم عبروا عن محنتهم وقضيتهم بأساليب متنوعة لكن فلسطينى الأرض الذين ظلوا هناك تحت وابل الاستعمار كتبوا تاريخهم القديم والحديث بالدم والنار والجوع والقهر ولم يبيعوا ولم يركعوا... طوبى لهم وتبًا لكل جبار لا يعرف معنى الوطن والأرض والهوية.. ضمير الغائب لن يغنى ولن يحرر وإنما ضمير المتكلم.. صباح الخير فلسطين.