رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

في عصر الإنترنت، بينما كنا نُهلل للنافذة المفتوحة على عالم من المعرفة اللامحدودة، كان هناك عقل ناقد يُدرك أن هذه النافذة قد تتحول إلى جدار غير مرئي. الكاتب الأمريكي إيلي باريزر، برؤية استباقية، لم يرَ في خوارزميات التخصيص مجرد أداة لتحسين تجربتنا الرقمية، بل لمح فيها مؤامرة سلعية. في عام 2011، أطلق تحذيره المدوي في كتابه "فقاعة التصفية: ما الذي يخفيه الإنترنت عنك؟"، كاشفًا عن أن كل نقرة وإعجاب وتفاعل ليس مجرد فعل عابر، بل هو لبنة في بناء عالم فردي من المعلومات يُحبس فيه كل مستخدم. لقد كان باريزر أول من دق ناقوس الخطر، مُعلنًا أن وهم الحرية الرقمية يُخفي وراءه واقعًا من العزلة الفكرية، وأن ما نراه ليس سوى مرآة لما نعتقده، مما يجعلنا غرباء عن أي وجهة نظر تختلف عن عالمنا الصغير. 
تُخلق فقاعات التصفية عبر خوارزميات معقدة تستخدمها منصات الإنترنت لتخصيص المحتوى للمستخدمين. تبدأ العملية بـجمع بيانات ضخمة عنك، مثل سجل بحثك، وتفاعلاتك، وسلوكك الشخصي. بناءً على هذه البيانات، تقوم الخوارزميات بـتحليل وتوقع اهتماماتك وميولك. بعدها، يتم التخصيص الفعلي للمحتوى، حيث تُظهر لك المنصة ما يُوافق ميولك فقط، وتقلل من ظهور الآراء المخالفة، سواء في محركات البحث أو على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه العملية تعتمد على مبدأ "التغذية الراجعة"، فكلما تفاعلت مع محتوى معين، قدمت لك الخوارزمية المزيد منه، مما يُحكم إغلاق الفقاعة حولك ويحد من رؤيتك الشاملة للعالم.
خطورة فقاعات التصفية لا تكمن فقط في عدم رؤية الرأي الآخر، بل في تأثيرها العميق على المجتمع. أولاً، إنها تُعزز التحيز التأكيدي، وهو ميل الإنسان إلى البحث عن المعلومات التي تدعم معتقداته المسبقة. داخل الفقاعة، يصبح هذا التحيز تلقائيًا. ثانيًا، تُساهم في الاستقطاب المجتمعي، فكل مجموعة تُصبح حبيسة فقاعتها، وتُعتقد أن رأيها هو الوحيد الصحيح، مما يُقلل من فرص الحوار البناء والتفاهم المشترك. هذا الانقسام قد يُضعف النسيج الاجتماعي ويُعيق حل المشكلات الكبرى التي تتطلب رؤى متعددة. ثالثًا، تُساهم في انتشار المعلومات المضللة، حيث يمكن لخبر كاذب أن ينتشر بسرعة داخل فقاعة من الأشخاص الذين يتفقون معه دون أي تدقيق.
هذه الفقاعات تعزلنا عن الآخرين، وتغرقنا في بحر من الأفكار المكررة، مما يجعلنا نعتقد أن عالمنا الرقمي الصغير هو العالم بأسره. ففي الفيسبوك، قد لا ترى سوى آراء مؤيدي فريقك المفضل، وفي يوتيوب، تستمر مقاطع الفيديو التي شاهدتها مرة واحدة في الظهور مراراً وتكراراً. والنتيجة هي أننا نجد أنفسنا في عالم مخصص تماماً لنا، حيث يندر أن نرى محتوى يتعارض مع آرائنا أو يخرج عن دائرة اهتماماتنا المعتادة.
في النهاية، تُشكل فقاعات التصفية تحديًا حقيقيًا لعصرنا الرقمي. لقد حولت الإنترنت من أداة للتواصل إلى سجن ذهني، ومن وسيلة للتعرف على العالم إلى أداة لحصاره في زاوية واحدة. لمواجهة هذا الخطر، يجب أن نتحول من مستهلكين سلبيين إلى باحثين نشطين. علينا أن نُغادر فقاعاتنا عمدًا، وأن نبحث عن وجهات نظر مختلفة، وأن نتحاور مع من نختلف معهم. فالوعي هو الخطوة الأولى لكسر هذه الجدران غير المرئية التي تحيط بنا.