مراجعات
ربما لا تبرح ذاكرة مَن تجاوز الخمسين من العمر، أشهر مقدمتين تلفزيونيتين، كانتا الأكثر انتشارًا في تسعينيات القرن الماضي.
مقدمتان رائعتان تتناولان ما «حدث في مثل هذا اليوم».. الأولى «بالحب والوفاء نبدأ لقاءنا اليومي، مع برنامجكم الثقافي التاريخي» بتعليق المميز «أحمد فؤاد معاذ»، والثانية «على عتبات الزمن، أحداث فتحت لأصحابها بوابة التاريخ» للصوت الرخيم «أحمد سالم».
كثيرًا ما نتوقف أمام محطات تاريخية مفصلية، لمواقف وشخصيات وأحداث وكلمات، لا نستطيع نسيانها أو تجاهلها، تظل محفورة في ذاكرتنا، مهما طال الزمان.
بعض الأحداث والروايات ـ بعد مراجعات فكرية وعقلية ـ أثبتت أن التاريخ قد يتحول إلى ألعوبة بأيدي العابثين.. يكتبه المنتصرون، الذين يُصيغون السردية، بينما يظل المغلوبون في الهامش، أو يُمحى ذكرهم من الذاكرة الجمعية.
لعل شهر «سبتمبر/ أيلول» من أكثر شهور السَّنة زخمًا بالأحداث الكبرى التي غيَّرت مجرى التاريخ، خصوصًا في منطقتنا العربية «المقهورة والمهزومة»، ليظل دائمًا ضيفًا ثقيلًا، لارتباطه بأحداث دامية عند العرب، منذ عصر «البابليين»؟!
ارتبط شهر «سبتمبر/ أيلول» في تاريخنا الحديث ببداية الاحتلال الإنجليزي لمصر، و«هزيمة» أحمد عرابي في معركة التل الكبير، مرورًا باندلاع الحرب العالمية الثانية في 1939، وليس انتهاء بغزو القوات الإيطالية مصر أثناء تلك الحرب.
عُرف شهر سبتمبر بـ«أيلول الأسود»، عندما شهد ذروة صراعٍ دامٍ استمر عامين، بين الفلسطينيين والأردنيين في 1970، لتمتلئ الذاكرة بأحداث صعبة، بدءًا من وفاة «عبدالناصر»، ومرورًا باستشهاد الطفل محمد الدرة، وليس انتهاءً بتوقيع اتفاقية أوسلو «المشؤومة» بين ياسر عرفات وإسحاق رابين.
لعل الحدث الأبرز «مصريًّا»، ما حدث في «سبتمبر/ أيلول» 1981، عندما أصدر «السادات» قراراته الشهيرة بإغلاق الصحف غير الحكومية، واعتقال رموز العمل الوطني والسياسي والديني ورجال الفكر، الذين تجاوز عددهم 1530 شخصًا!
ربما لم تستعد ذاكرة الألفية الجديدة عافيتها حتى الآن، بعد أحداث 11 «سبتمبر/ أيلول» 2001 في أمريكا، إثر انهيار بُرجي نيويورك، لتُحدث تغييرًا جذريًّا في عالمنا العربي، من خلال انتشار وتمدد «فوضى الإرهاب الصهيوني» المدعوم أمريكيًّا على منطقتنا المنكوبة.
أحداث دامية، تُوِّجَت في «سبتمبر/ أيلول» 2020، بـ«اتفاق أبراهام»، وتوقيع «دول عربية» اتفاقيات «تطبيع مجاني» مع «إسرائيل» برعاية أمريكية، في لحظات «هرولة» و«خنوع»، عكست منطق القوة الذي يُفرض على الضعفاء.
إذن، يظل «سبتمبر/ أيلول» شهر التحولات الكبرى، ليكشف لنا بوضوح أن الأحداث لا تُحكى كما وقعت، بل كما يريد الأقوياء أن تُروى، خدمة لمصالحهم وتأكيد صناعة أساطيرهم.
أخيرًا.. إن استدعاء دروس «سبتمبر/ أيلول» عبر التاريخ يؤكد أن الأمم التي لا تملك القوة، لا وزن لها، ولا تستطيع كتابة سرديتها الخاصة، لتُتْرك على الهامش، ويُسطَّر تاريخها بأقلام الآخرين.
فصل الخطاب:
إذا أردتَ أن تَقْهَرَ شعبًا.. ما عليك إلا أن تهز ثقته في ذاكرته وتاريخه