رادار
تشكل القمم العربية والإسلامية محطات رمزية فى التاريخ السياسى للمنطقة - فهى ليست مجرد تجمع دبلوماسى يضم القادة والرؤساء، بل مرآة تعكس مزاج الشارع العربى وتطلعاته العميقة.. فبعد ساعات قليلة هناك قمة إسلامية - عربية طارئة.. ستعقد فى العاصمة القطرية الدوحة، والتى سوف تأتى وسط احتقان إقليمى وعالمى ناتج عن ضربة قام بها الكيان الصهيونى على العاصمة القطرية (الدوحة).. والسؤال الذى يشغل أذهان الشعوب العربية والإسلامية بل وشعوب العالم - هل سنشهد هذه المرة فى تلك القمة المرتقبة، انتقالا من لغة الإدانة إلى منطق الفعل؟.. فالوجدان العربى مرهق من البيانات الختامية التى تنتهى بترديد عبارات الإدانة والإستنكار - فى حين تبقى الممارسات على الأرض بلا ردع أو تغيير، فإن ما ينتظره المواطن العربى ليس بيانا يقرأ على الشاشات، بقدر ما ينتظر قرارا يغير ميزان القوى ويعيد الاعتبار لفكرة أن للسيادة العربية حصانة، وأن كرامة العواصم ليست مجالا للمساومة أو التجاهل.
نعم - فأول ما يتطلع إليه الشارع العربى اليوم هو قرارات عملية لا رمزية يتمنى أن يراها ضمن مخرجات هذه القمة منها .. يريد أن يرى سحبا حقيقيا للسفراء، وخفضا للتمثيل الدبلوماسى وقفا للتعاون الأمنى أو الإقتصادى مع هذا الكيان الشيطانى الذى يمارس الإعتداء السافل على أراضى العرب .. يريد أن يسمع أن وزراء الخارجية لم يجتمعوا فقط لإلتقاط الصور - بل لتفعيل أدوات القانون الدولى .. مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والوكالات الأممية المختصة بمحاسبة المعتدين، فى ذهن المواطن العربى - فكل يوم يمر دون خطوات ملموسة هو يوم يضعف فيه موقف الأمة ويمنح المعتدى مزيدا من الجرأة .. وعلى الشعوب أن تدرك - أن الفعل المنفرد لا يكفى .. والتحرك الجماعى هو ما يمنح القرارات وزنها وهيبتها .. فالمواطن العربى يريد أن يرى القاهرة والرياض والدوحة وأنقرة وإسلام أباد على طاولة واحدة .. تقود موقفا مشتركا - لا أن تغرد كل عاصمة فى مسارها الخاص .. فهذا الشعور الجماعى بالتضامن هو ما يعيد الثقة بفكرة العالم الإسلامى ككتلة سياسية مؤثرة لا مجرد تجمع رمزى بلا أنياب .
وهنا لا بد أن نضع النقاط فوق الحروف .. فعلى الدول العربية أن تتوقف عن تحميل مصر وحدها مسؤولية الدفاع عن مقدرات الأمة العربية المكتوبة عليها منذ الأزل .. فمصر لم تتأخر يوما عن نصرة القضية الفلسطينية أو حماية حدود العرب فى لحظات الإنكسار، فلا يمكن أن تبقى تقاتل بمفردها بينما البقية تكتفى بالمشاهدة أو الدعم الرمزى - مما لا شك فيه أن مصر خلقت لتكون حارسا للمشرق والمغرب، لكن هذا الحارس يحتاج إلى من يقف خلفه داعما ومساندا .. إن الدفاع عن فلسطين ليس واجب مصر وحدها - بل واجب كل عربى يرى أن كرامة القدس هى مرآة لكرامته الشخصية .. والدفاع عن العواصم المستباحة ليس مهمة دولة واحدة مهما كانت عظمتها، بل مسؤولية جماعية تترجم مفهوم الأمن القومى العربى الذى طالما تحدثنا عنه نظريا .. ومن منظور فلسفى أعمق فإن تحميل مصر عبء الأمة وحدها .. هو اختزال لدورها وتبديد لقدراتها .. فمصر هى العمود الفقرى للأمن القومى العربى لكنها ليست بديلا عن بقية الجسد العربى .. الأمة القوية لا تبنى على كتف واحد - بل على تضافر أكتاف متعددة .. حين تتقاسم العواصم العربية الأعباء وتدعم القاهرة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، تصبح القرارات أكثر جرأة والخطوات أكثر ثباتا، والرسائل أكثر تأثيرا على القوى الإقليمية والدولية .
وليعلم قادة الأمة العربية والإسلامية أن أكثر ما يثير عاطفة الشارع العربى هو ملف فلسطين - فالمواطن العربى يرى أن قمة الدوحة فرصة لإعادة ترتيب الأولويات بحيث يعود الملف الفلسطينى إلى الصدارة، ليس فقط كشعار بل كملف تحرك حقيقى.. دعم مالى وإنسانى لغزة، ضغط على الكيان الصهيونى لوقف التصعيد وفك الحصار - واستثمار أوراق القوة العربية لإعادة التوازن إلى طاولة المفاوضات.. كما يتمنى المواطن العربى أن يكون هذا الدعم جزءا من إستراتيجية شاملة لا تنحصر فى ردود الفعل على الأزمات بل تمهد لحل سياسى عادل يحقق تطلعات الشعب الفلسطينى ويضمن استقرار المنطقة .. كما أن هناك أيضا مطلبًا متناميًا بإنشاء تحالف دفاعى (عربى - إسلامى) يشبه (ناتو إسلامى) يوفر مظلة ردع حقيقية، ويعطى وزنا إستراتيجيا للعالم الإسلامى .. فكرة أن تظل الدول العربية رهينة لحماية خارجية من قوى كبرى بينما تتعرض عواصمها للانتهاك لم تعد مقبولة شعبيا.
وأخيرًا - يريد الشارع شفافية ووضوحًا.. ما الذى اتفق عليه؟.. ما الجدول الزمنى للتنفيذ؟ .. وكيف ستتم متابعة القرارات ومحاسبة من يتقاعس؟.. فغموض المخرجات هو ما يفقد القمم قيمتها لدى الناس .. فإن قمة الدوحة تمثل لحظة اختبار تاريخية للنظام العربى والإسلامى - إما أن تتحول إلى بداية مرحلة جديدة تستعاد فيها كرامة القرار العربى أو أن تكون محطة أخرى فى سجل البيانات التى لا تغير شيئا .. الشعوب العربية ليست متعطشة للحرب، لكنها عطشى للعدالة ولرؤية زعمائها يترجمون أقوالهم إلى أفعال .. لقد حان الوقت ليدرك صانع القرار العربى أن التردد لم يعد خيارا .. وأن غياب الفعل يفتح الباب لمزيد من الإستباحة والإنتهاك، ما بعد الدوحة ليس كما قبلها - والشارع العربى سيراقب بدقة، لأن هذه المرة قد تكون الفرصة الأخيرة لإستعادة الثقة بين الشعوب ومؤسسات العمل العربى المشترك.
وللحديث بقية .. إن شاء الله تعالى