رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

قال إدوارد سعيد إن «المثقف الحق هو مَن يجهر بالحقيقة فى وجه القوة»، فهل المثقف فى مصر صاحب رسالة تتجاوز حدود المؤسسة والوظيفة، أم مجرد موظفٍ فى ديوان الثقافة الرسمية؟ أسئلة كهذه تشغلنا كلما اشتدت الأزمات أو احتدم الجدل بين الحرية والرقابة، بين الاستقلال والتكيّف.

منذ أن صاغ إدوارد سعيد هذه العبارة الشهيرة، ظل السؤال حاضراً: ما وظيفة المثقف؟ وهل المثقف موظّفٌ فى خدمة الدولة، أم ضميرٌ يزعج السلطة ولا يتوقّف عن طرح الأسئلة المحرجة؟

فى نظر سعيد، المثقف ليس مجرَّد خبير أكاديمى أو صوت إعلامى مألوف. هو شخصية عامة لها رسالة أخلاقية واضحة: مواجهة السلطة، وتفكيك البُنى المهيمنة، وتمثيل المهمَّشين الذين لا يجدون من يدافع عنهم.

غير أن هذا التعريف يزداد تعقيداً فى السياق المصرى والعربى، حيث لا تقف الدولة موقف الحياد من المثقفين. فهى تمتلك مؤسّسات ثقافية وإعلامية قادرة على أن تحتضنهم وتمنحهم الشرعية، أو تهمّشهم وتقصيهم. وهكذا يجد المثقف العربى نفسه عالقاً فى منطقة ملتبسة: إمّا أن يختار استقلالاً مكلفاً قد يقوده إلى العزلة أو السجن أو المنفى، وإمّا أن ينخرط فى أحضان السلطة ليضمن لنفسه الحضور والاعتراف، لكنه يخسر فى المقابل وهج الجرأة النقدية وحرية السؤال.

فى مصر، ظل المثقف منذ ثورة يوليو 1952 يسير فوق خيط مشدود بين الرعاية والتقييد. فالدولة التى مدّت يدها لدعم الثقافة ورعاية رموزها، هى نفسها التى وضعت حدوداً لحرية الكلمة واتجاهات الإبداع. من تكريم أسماء بارزة مثل محمد حسنين هيكل ود. جابر عصفور، إلى المحاكمات التى طالت يوسف إدريس ولطفى الخولى، ومصادرة كتب لويس عوض ونصر حامد أبوزيد، تتبدّى لنا صورة مشهد لا يخلو من التناقض: حيث يتأرجح المثقف دوماً بين موقع «المشاغب» الباحث عن الحقيقة، وموقع «المؤسسي» الذى يجد نفسه أقرب إلى دوائر السلطة.

إدوارد سعيد كان يصر على أن المثقف لا يُقاس بمدى قربه من دوائر السلطة أو المؤسّسات، بل بقدرته على الإبقاء على مسافة نقدية. مسئولية المثقّف أن «يجهر بالحقيقة فى وجه القوة» speak truth to power ولو كلّفه ذلك العزلة أو وُسم بالمشاكسة. هذا المعيار يصلح اليوم أكثر من أى وقت مضى لفهم المشهد المصرى: مثقف يغامر بحريته فى مواجهة السلطة، وآخر يكتب فى حدود ما تسمح به أجهزة الإعلام، وثالث يتأرجح بين النقد والمهادنة.

إذن، يبقى المثقف فى مصر أمام معادلة صعبة، وهى إن قال الحقيقة كاملة ربما دفع ثمناً باهظاً، وإن اختار الصمت أو التكيّف فَقَد مصدقيته. وهذا هو جوهر المعضلة التى وضّحها إدوارد سعيد: المثقف لا يُعرَّف بمهنته ولا بشهاداته، بل بموقفه الأخلاقى الذى يلزمه أن يجهر بالحقيقة فى وجه القوة، مهما كان الثمن.