رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

تحدثنا فى المقال السابق عن الجيش الأبيض، ما هو وكيف تشكل،  ومن ثم تعرفنا على تاريخ الصراع القبلى فى المنطقة.
اليوم نعرف معًا كيف تحول الجيش الأبيض من سلاح قبلى إلى سلاح عسكرى عنيف.. تصاعدت حدة الصراع بشكل كبير خلال الحرب الأهلية السودانية الأولى (1955-1972) والثانية (1983-2005). مع تشكيل الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLA)، التى قادت الكفاح المسلح ضد الحكومة السودانية، برزت التوترات القبلية داخل صفوف الحركة نفسها. كان زعيم الحركة، جون قرنق دى مابيور، من قبيلة الدينكا، بينما كان نائبه، رياك مشار، من قبيلة النوير.
فى عام 1991، انشق رياك مشار عن الحركة الشعبية، واتهم قرنق بتبنى أجندة قبيلة الدينكا، مما أدى إلى انقسام الحركة واندلاع قتال عنيف بين الفصيلين. هذه الأحداث حولت الصراع القبلى إلى صراع سياسى مسلح، مما أدى إلى مجازر مروعة، كان أبرزها مجزرة بور عام 1991، التى راح ضحيتها الآلاف من المدنيين من قبيلة الدينكا.
وتم إقحام الجيش الأبيض فى الحرب السودانية الثانية كقوة قتالية تتبع المعارضة المسلحة، حتى بعد انفصال جنوب السودان عام ٢٠١١ انخرطت البلاد فى حرب أهلية فى عام 2013 بين القوات الحكومية الموالية للرئيس سلفا كير (من قبيلة الدينكا) والفصائل المتمردة بقيادة نائبه السابق رياك مشار (من قبيلة النوير). فى هذا السياق، عاد «الجيش الأبيض» للظهور  كقوة داعمة لجانب مشار، حيث شارك فى معارك عنيفة فى ولايات جونقلى والوحدة، ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا المدنيين.
لم تكن أهداف «الجيش الأبيض» مقتصرة على دعم قيادات سياسية، بل كانت مدفوعة أيضًا بدوافع قبلية واضحة. فقد شاركت الميليشيا فى هجمات انتقامية على المجتمعات المدنية من قبيلة الدينكا، ما أدى إلى تصاعد دوامة العنف والصراع على الموارد والأراضى. وقد تم توجيه اتهامات للمليشيا بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما فى ذلك قتل المدنيين، والاغتصاب، ونهب الممتلكات.
ومع تزايد الضغوط الدولية على أطراف النزاع، تم التوصل إلى اتفاق سلام فى عام 2018. وقد نص الاتفاق على نزع سلاح الميليشيات ودمجها فى الجيش الوطنى.
رافق هذا الاتفاق توقعات واسعة داخل صفوف الجيش الأبيض بالحصول على فرص أكبر فى التمثيل السياسى والعسكرى، إلا أن هذه التوقعات لم تتحقق، ما أسفر عن شعور بالاستياء والإحباط بين المقاتلين وأثر على التحالفات المستقبلية للميليشيا، وعاد معظم عناصره إلى قراهم.
ولكن بعد عودة التوتر بين الجيش الحكومى وقوات المعارضة فى مدينة الناصر بشرق ولاية أعالى النيل فى مارس الماضى، عاد الجيش الأبيض للظهور مجددا، ليشن هجومًا واسعًا على الحامية الحكومية، ما أسفر عن مقتل قائدها اللواء مجور داك، وعدد من الجنود.
دخل الجيش الأبيض هذه المواجهات باعتباره قوة متحالفة فقط مع المعارضة المسلحة بقيادة رياك مشار، دون أن يكون منضويا تحت قيادتها مباشرة.
وميّز ظهورهم هذه المرة طرح أجندة مختلفة ومطالب جديدة، ما يعكس تحولًا لافتًا فى مسار هذه المجموعات وسعيها لإبراز استقلاليتها ضمن المشهد العسكرى والسياسى فى الإقليم.
فى الختام، يظل «الجيش الأبيض» رمزًا مؤلمًا لتشابك السياسة بالقبلية فى جنوب السودان. بينما كان يسعى مقاتلوه للدفاع عن قبيلتهم وقادتهم، إلا أن وجوده كان سببًا فى إطالة أمد الصراع، وأسهم فى تدمير النسيج الاجتماعى لدولة وليدة تواجه تحديات هائلة.
أمين سر لجنة الشئون الأفريقية بمجلس النواب