أون لاين
لم يعد الحديث عن مستقبل الاقتصاد المصرى مجرد توقعات أو خطط معلقة فى الهواء، ما ترسمه التقارير الدولية، وآخرها تقرير فيتش سوليوشنز، يضعنا أمام واقع جديد، مصر تدخل مرحلة تحول مزدوج يقوده التوسع الرقمى من جانب، وتعميق التصنيع المحلى من جانب آخر، خاصة فى قطاع الإلكترونيات والهواتف المحمولة.
وفقًا للتقرير، من المتوقع أن يقفز حجم سوق تكنولوجيا المعلومات فى مصر من 3.5 مليار دولار عام 2025 إلى 9.2 مليار دولار بحلول 2031، هذا النمو ليس صدفة، بل نتيجة مباشرة لتحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية، وضخ الحكومة استثمارات عامة تتجاوز 13 مليار جنيه فى البنية التحتية الرقمية، تشمل توسيع شبكات المحمول، تأمين البيانات، ورقمنة الخدمات الحكومية، هذه الخطوات لا تعنى فقط تحسين تجربة المواطن، بل تهيئة بيئة أعمال قادرة على جذب شركات تكنولوجية كبرى، وتأسيس اقتصاد رقمى تنافسى.
فى المقابل، يشهد قطاع الهواتف المحمولة قفزة لافتة بفضل مبادرات مثل مصر تصنع الإلكترونيات، بعد سنوات من الاعتماد الكامل على الاستيراد، بات لدينا قاعدة إنتاجية تضم علامات كبرى مثل سامسونج وأوبو وشاومى، الأرقام تكشف أن الإنتاج المحلى ارتفع من 1.5 مليون جهاز عام 2021 إلى قرابة 3 ملايين فى 2024، مع قدرة استيعابية تصل إلى 11.5 مليون جهاز سنويًا، ومع ذلك، لا يُستغل من هذه القدرة سوى 26% فقط، ما يعنى أن هناك فجوة إنتاجية تتجاوز 8.5 مليون هاتف تمثل فرصة ذهبية للاستثمار والتوسع.
لكن الصورة ليست وردية بالكامل، التحديات لا يمكن إنكارها، استمرار الاعتماد على استيراد المكونات الأساسية، تقلبات سعر الصرف، ونقص العمالة الماهرة فى مجال تصنيع الإلكترونيات، هذه التحديات تفرض ضرورة إعادة النظر فى سياسات التدريب الفنى، وتكثيف الاستثمار فى البحث والتطوير، بل وربط الجامعات والمراكز البحثية بالصناعة بشكل مباشر.
أهمية هذه التحولات تكمن فى أنها لا تقتصر على تحسين مؤشرات اقتصادية مجردة، بل تمس الحياة اليومية للمواطن، الإنترنت الأسرع والخدمات الرقمية تعنى تعليمًا أكثر فاعلية، ورعاية صحية أفضل، وخدمات حكومية أسهل، وفى الوقت نفسه، التصنيع المحلى يترجم إلى وظائف جديدة، وزيادة الصادرات، وتقليل العجز التجارى.
المعادلة التى أمامنا اليوم هى، رقمنة وتصنيع تساوى قوة إقليمية، إذا استطاعت مصر المضى على هذين المسارين بشكل متوازى، مع معالجة التحديات بجدية، فإنها لا تكتفى بتحقيق نمو اقتصادى، بل تضع نفسها على خريطة التكنولوجيا العالمية، وتصبح مركزًا إقليميًا يخدم الأسواق الأفريقية والعربية.
2031 قد يكون محطة فاصلة، ليس فقط لأن الأرقام تتحدث عن قفزة فى السوق الرقمية والصناعية، بل لأنه سيكون اختبارًا حقيقيًا لقدرة مصر على التحول من مستهلك للتكنولوجيا إلى منتج ومطور لها، وبينما ينشغل العالم بالسباق نحو الذكاء الاصطناعى والحوسبة المتقدمة، فإن امتلاك قاعدة رقمية وصناعية قوية سيكون بمثابة جواز مرور لمصر نحو المستقبل.