رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

أوراق مسافرة

لا تسرق، لا تمارس العنف، الفساد، لا ترتكب أى جريمة وأنت آمن من العقاب، ففى لحظات ستتوصل لك الشرطة وسيكون العقاب الصارم لأنك هددت امن المواطنين، روعت المسالمين، حاولت المساس بهيبة الدولة أمنيا، هذا ما يحدث الأن فى دولة تضج بالسكان.. الصين، ففى الوقت الذى توصلت فيه الصين «التى تجاوزت المليار وأربعمائة مليون نسمة» إلى نظام مراقبة تأمين شامل لمنشأتها وشوارعها وابتكار تقنية من الذكاء الإصطناعى تتصل بشبكة كاميرات المراقبة أطلقت عليها إسم «عين اليعسوب»، تمكن الأمن من التعرف على أى مجرم أو خارج عن القانون خلال دقائق عن طريق مطابقة وجوههم فى قاعدة بيانات تحتوى على مليارى وجه، بما ييسر للشرطة ورجال العدالة ضبط المجرمين بسرعة، فإذا ببلدنا الحبيب يعود إلى عصر الجاهلية، عصر الفتونة بل البلطجة فى أبشع صورها، لينتشر الذعر فى الأحياء الشعبية البسيطة بل والراقية، يروع المواطنين المسالمين أمام السنج، البلطة، الجنازير السيوف، المطاوى، السكاكين، النبوت وغيرها، صارت كاميرات هواتف المواطنين لا تسعفها لتسجيلها وإرسالها كإستغاثات إلى رجال الأمن لإستحصار جودهم بتلك الأماكن.
وأقول إننا عدنا لعصر الجاهلية لأن مصطلح الفتوة ظهر فى هذا العصر، ولم يكن هو كبير القبيلة، بل شخص آخر يتميز بالقوة، مفتول العضلات يفرض سيطرته وهيمنته على أبناء القبيلة سواء بموافقة زعيم القبيلة أو حتى دون موافقته، وكان هذا الفتوة جلفاً، فظاً، شارباً للخمر، مثيراً للرعب، يخضع الجميع لأمرة ويقدمون له الهدايا والعطايا إرغاماً، إلى أن ظهر الإسلام الذى حاول تدريجياً القضاء على ظاهرة الفتوة أو على الأقل تهذيب وجوده دينياً وأخلاقياً من منطلق أن الناس سواسية ولا فرق بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح، فأصبح الفتوة يتميز حينئذ بخصال حميدة بعدت عما كان يعرف بها فى الجاهلية، فأصبح يتصف بالنخوة، الرجولة، الشجاعة، الكرم، التصدى للظلم ونصرة الضعفاء، إغاثة المحتاجين، وهكذا.
وفى مصر «وفقا لبعض الكتب» ظهر الفتوة عام 1798 إبان الحملة الفرنسية على مصر من خلال دور وطنى فى مقاومة الحملة، وكان سكان الحارة أو الحى يختارونه بمواصفات جسدية وأخلاقية محددة، أهمها بالطبع البنيان القوى، شارب كث عريض، نبوت غليظ هو العصا وأن يكون مدربا على استخدامه، بجانب الشجاعة، الجرأة، الصدق، الأمانة، نصرة الضعيف، محاربة الظلم.
وفى العهد العثمانى، عصر محمد على باشا، برزت ظاهرة الفتوة بقوة، وكان يتسلح أيضا بالنبوت وبأسلحة أخرى نارية، وتغول الفتوات فى هذا العهد وتخلوا عن الصفات الحميدة وأصبحوا يجمعون الإتاوات، يهدرون حقوق الضعفاء وينصرون الأقوياء، وازدادت الظاهرة سلباً نتيجة ضعف الدولة العثمانية وتراخى قبضتها على مصر عندما بدأ المماليك فرض وجودهم.
واستمر وجود الفتوات فى مصر صعوداً وهبوطاً مع تغير سلوكهم ومراوحته بين السلب والإيجاب، حتى جاء الاحتلال الإنجليزى لمصر والذى حاول فيه السيطرة على مقاليد السياسة والأمن فتم محاربة وجود الفتوات واعتبارهم خارجين على القانون، وتم إهانة وإذلال تلك الفئة والقبض عليهم مع مصادرة ما لديهم من أسلحة، وهو ما استفز الفتوات فحولوا قوتهم إلى مقاومة لوجود الاحتلال، وظهرت بعض البطولات المناوئة للإنجليز فيما لعب آخرون أدواراً عكسية وفقاً لمنفعتهم الشخصية، وفى عام ١٩٠٦ ظهر قانون البوليس الأول وتم تجريم الفتونة ومصادرة أسلحتهم ومنع استخدام العصا أو النبوت فى المشاجرات، بل تم تنفيذ ما أطلق عليه الإنجليز «قرار إعدام النبوت» بتجميعه وإحراقه فى حى بولاق الدكرور التى كانت رمزاً كبيراً للفتونة وانتشارها فى ذلك الحين.
وعندما جاءت ثورة يوليو ١٩٥٢، تم معها رسمياً منع وجود الفتوات مع إحكام القوة و.... ولحديث البلطجة بقية.
[email protected]