رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

قطوف

لم تكتمل

بوابة الوفد الإلكترونية

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع.. هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.

"سمية عبدالمنعم"



ربما يجدر بي أن أكتب هذه القصة بنفسي، فهي قصتي على أية حالة. وأنت ما عدت تصلح سوى للجلوس في مقاعد المتفرجين بعد أيام حافلة بالأعمال التافهة بحثا عما يقيم الأود، حتى نشفت روحك وتآكلت مثل غابة بوص ضرب السوس قلبها، وفقدتْ أصابعك وهجَها الذي كان يحوِّلني - بلمسة بسيطة  - إلى شيطان صغير لا يسعه براح العالم،  آآآآآه، كم أشتاق لحضن أصابعك الطويلة النحيلة وهى تلتفُّ حول خاصرتي بنزق جنوني يأخذني إلى أقصى حدود النشوة فأبدأ في ابتكار سماواتٍ وطقوسٍ وبحارٍ وعلاقاتٍ وشخوصٍ وثوراتٍ وطيورٍ وأفكارٍ وخرائبَ وأسئلةٍ. لكني أبدا لم أبتكر إجاباتٍ منطقيةً أو ميتافيزيقية أو حتى تدَّعي أنها تملك نصف الحقيقة. يبدو أنني وجودي بطبعي. لكن ما لم أجد له تفسيرا حتى الآن هو تلك القسوة التي دفعتك لأن تلقي بي هكذا في ليل طويل ممتد بارد ولا أثر فيه لشعاع من ضوء ربما يكون هاربا من نجم بعيد إذ لم تكن ثمة نجوم هناك ولا سماء، فقط جدران خشبية أربعة متهالكة وسقف واطيء وأرضية تفترشها بعض الأوراق المتناثرة وكثير من ( الصراصير ) التي لا يطيب لها التسكع إلا فوق جسدي الضامر! هل تعرف ما هو الجحيم؟ إنه ملامسة الأرجل وقرون الاستشعار الدقيقة - لتلك الكائنات المقرفة – لجسدك الملقى مثل كيس قمامة في سكون عاجز لا يقدر على الإتيان بردَّة فعل مهما تناهت في بساطتها. إحساس طافح بالقرف تتمنَّى معه الموت آلاف ملايين المرَّات لكن الموت بعيد جدا. هل حدَّثتُك أيضا عن الانتظار المتشبِّث بذيل عقرب الثواني، متأرجحًا في فضاء الغرفة، وكل دقة تطحن أعصابي التي حمَّصتْها لهفة ترقُّب خطواتك إذ يجرُّها الحنين أحيانا فتتجه إلى كومة الكتب الممدَّدة هناك على بضعة أرفف كجثث طازجة، تقلَِّب فيها قليلا فتستبيحُني خشخشةُ الأوراق ورائحة الحبر. تفرُّ (الصراصير ) هاربة وينتفض جسدي المتكلِّس طاردًا برودة الموت ومتفتِّحًا لاستقبال نفحة علوية تبثُّها يدُك المتعرِّقة بفعل حرارة الطقس والأملاح المترسِّبة في قاع كليتَيك. تأكلني اللحظة تماما وأنا أستصرخك أن تجلس، فقط تجلس وتمدّ يدَك لتفتح باب الزنزانة، لكن السأم يجرُّك من قفاك فتمضي متثائبا وأنت تهرش فروة رأسك بأظافر ربما لم تجد وقتا أو جهدا لتقليمها بينما يدخلني آخر أنفاس سيجارتك محلية الصنع، يسحقني القهر؛ فأسبُّك بأمك، وأتَّخِذ في اللحظة ذاتها قرارًا بنفيك خارج حدود ذاتي الموشومة بك. الخطوات الأولى غالبا ما تتَّسِم بصعوبة بالغة. لكنني أتوكَّأ على عشقي. حرفٌ، حرفان، كلمة وأخرى و ... ينهمر الطوفان شابًّا عفيًّا كاسِحًا لا يهدأ ولا يتوقَّف إلا عندما أضع النقطة الأخيرة وأنا ألهث وأكاد أتفتَّتُ من فرط الانفعال والفرح الغامر المضيء الذي يحوِّلني إلى رقصة مجنونة. لا أعبأ بك ولا بالزنزانة أو ( الصراصير ) أقرأ وأعِيد القراءة مرَّات ومرات، أضيف كلمة هنا وأحذف أخرى هناك، أعيد صياغة بعض الجُمل وأضعُ علاماتِ الترقيم, قبل النهاية بقليل يوخزني الهاجس الفاجع بمرارته التي تتقطَّر سُمًّا. من يقرأ قصتي وكيف وأنا وهى حبيسان في هذا المستنقع العفن؟ ماذا أفعل بالجذوة التي بزغت لتوِّها من بين ركام البرودة والانتظار المتوفز؟ ليت لي القدرة فأبول عليها وينتهي كل شيء إلى الأبد. إلام أظلُّ أسيرا لحاجتي إلى نذل مثلك؟ لا لا، كل هذا لن يجدي. علىّ أن أهدأ قليلا، لقد استعدتُ نصف حريتي بعد كل هذا العذاب، لماذا لا أفكر إذن في ابتكار إجابات تحذفك نهائيا؟ لقد عشت بما يكفي حتى الآن فما الداعي لتراكم السنوات على كاهلك المُثقَل؟ على أية حالة لا يزال أمامك بعض الوقت فحاول أن تستمتع قليلا بينما أفكِّر أنا كيف أكمِل هذه القصة.