قطوف
العلاج بالصدمة

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع.. هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.
"سمية عبدالمنعم"

يقول الطبيب الذي عالج صديقتي من نوبات التفكير بالانتحار كل ثلاثة أيام؛ لتصبح مرة في الشهر:
(الأشياء التي تحققت كان من الممكن ألا تتحقق لولا أننا أدرنا تحقيقها).
حكمة عائمة تشبه بيضة الفرخة؛ لن تفقس كتكوتًا إلا إذا أراد الديك.
لم يسألني مما أشكو أو لماذا يشكو مني أبنائي وخالي وعمتي وأمي وأخواتي الكبار، وعم حسن البقال؟
لم يقُل عبارات سينمائية: "مددي على الشيزلونج، ريلاكس خالص، احكيلي عن طفولتِك". تنحنح خمس مرات قبل أن يطالبني باستعمال خيالي في تخيل نفسي أميرة متورطة بركوب قطار سريع يوشك على الاصطدام بشىء تجهله، لكنها كارثة قد تؤدي لموت سريع أو بطىء ومؤلم.
سمعتُ عن العلاج بالصدمة؛ يضعوننا أمام مخاوفنا وجهًا لوجه؛ لنكتشف بالنهاية أنها وهم وأن خوفنا يجعلها ضخمة لكن ما الذي يمكن أن تتوهمه أميرة تجلس بقطار يوشك على الاصطدام بشيء تجهله؟
في محاولة لاشتراك آمن بلعبته، قلت:
أميرة بركوب القطار، وكيف لقطار تركبه أميرة أن يصطدم بشىء ما حتى لو كان ضخمًا؟ ثم لماذا تفكر الأميرة بحل، والخدم والعامة سيحاولون إنقاذها قبل الجميع؟
كان مُصرًا وهو ينظر لسقف غرفة الكشف: "استعملي خيالِك معايا"
_ أستعمل خيالي معاك ولا مع القطر حضرتك؟
_ معايا أنا والقطر.
_ الخيال الجماعي مرهق، ثم إن خيالي في الأساس استعمال واقع أليم وصحته على قده.
"الأميرات لا يُجدن الثرثرة"، قالها بحسم . صدقت ياغراب الطب، الأميرات لا يُجدن الثرثرة، لكن يُجدن ركوب قطار خيالك الكئيب الذي ورطهن في اصطدام مفاجىء داخل عيادة أمراض نفسية.
يفرد ذراعيه بالتوازي أمامه باتجاه الشرفة ويسألني عن مدى شعوري بالخطر الآن؟
"الخطر قادم يا صاح، كيف سنتصرف الآن يا عزيزي عليك أن تحملني هيلا هُبا، وتقفز من شباك العربة" قلتها بنبرة كارتونية.
خيالي الذي اصطدم بمخيلته؛ جعله يتوقف فجأة ليغير مسار الحادثة
سألني وهو يضم كفيه لصدره: عايزة تطلعي إيه يا رشا؟
-عايزة أطلع من القطر، ورايا طبيخ والغسيل على الحبل من أربع أيام يا دكتور.
-أقصد في اللحظة الحالية، لو مكنتيش طلعتي رشا، كان نفسِك تطلعي إيه؟
"يمامة بيضا"، قلتها بحماس طفولي تهللت معه أسارير وجهه.
-جميل.. لكن ليه يمامة بيضا بالتحديد؟
الحقيقة يا دكتور بالنسبة لكونها "بيضا"، من باب أن الأبيض ينفع في اليوم الأسود. أما لكونها يمامة؛ فعلى الأقل تستطيع الطيران خارج القطار بينما تجلس الأميرة متورطةً مع الدكتور الذي فشل في علاجها؛ بانتظار الاصطدام بشيءٍ ما ضخم تجهله!